فارس جميل

فارس جميل

كربلاء اليمنية الحمراء

Sunday 23 September 2018 الساعة 05:55 pm

سخر عبدالملك الحوثي من الانتخابات بشكل علني وصريح، وقال إنه لو كانت هناك انتخابات أيام الرسول لفاز بها أبو لهب، وهو بهذا يرتكب جريمتين، أولاهما أنه أقر بأفضلية أبي لهب على رسول الله عند قريش، والأخرى أنه صادر حقاً ديمقراطياً أصيلاً ناضل اليمنيون من أجل الحصول عليه لعقود، جاء ذلك في كلمته بذكرى سيطرة جماعته على صنعاء، وذكرى (عاشوراء) أيضاً.

ليست المرة الأولى التي يظهر الحوثيون حقيقة نواياهم تجاه الانتخابات والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، فقد رفعوا شعاراً كهذا في لوحات عملاقة ردوا فيها على دعوة الرئيس السابق علي عبدالله صالح لإجراء انتخابات في أغسطس 2017، بعبارة "المرحلة ليست مرحلة انتخابات، بل مرحلة اقتحامات"، أي أنهم ينوون إطالة الحرب تهرباً من هذا الاستحقاق الوطني لتتحول الحرب إلى هدف بذاتها بالنسبة لهم، لأن استقرار اليمن يعني إنهاء سلطتهم التي استخدموا القوة والسلاح لمصادرتها رغماً عن إرادة الشعب.

وظهر في ذلك مرة أخرى مذيعهم العنصري وهو يقول إنه سيدوس على الديمقراطية والثورة بقدمه إذا كانت تتعارض مع إرادة (السيد) ويقصد به زعيم الجماعة.

وظهر في كل وقت منذ اكتساحهم صنعاء وهم يروجون للولاية وأحقيتهم بالحكم دوناً عن اليمنيين، وحتى بعد تسميتهم لرئيس صوري بصنعاء من جماعتهم، فقد رفعوا تهانيهم بالمناسبات الطائفية التي يحتفلون بها إلى عبدالملك بصعدة، وليس لمن يمثل دور الرئيس بصنعاء، ويكفي أن عبدالملك عين مدير مكتبه رئيساً باسمه، ويخاطب الحوثيون في إعلامهم مهدي المشاط بـ(الأخ) بينما يخاطبون عبدالملك الحوثي بـ(السيد) كرمزية واضحة لعنصريتهم حتى ضد من ينتمي إليهم.

لم يظهر عبدالملك الحوثي في خطاب واحد بذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، لأنها قضت على حكم الأئمة الذي يريد إعادته، رغم أنه يظهر بشكل شبه يومي وفي مناسبات لا تخص سواه لإلقاء الكلمات والخطب التي لا تمت للوطنية بصلة.

بأثر رجعي وبعد أن دخل صنعاء بشعار الجرعة الشهير، أصبح يوم دخوله صنعاء (ثورة) ترفع أكذب الشعارات في التاريخ، وتقول عكس ممارساتها كل يوم، وكأن اليمنيين أغبياء وعبيد بلا إرادة، لدرجة أن شعراها أصبح "21 سبتمبر ثورة في وجه العدوان"، والجميع يعلم أن ما يصفونه بـ(العدوان) أي تدخل التحالف العربي، حدث بعد كارثتهم بعدة شهور وليس قبلها لتقوم في وجهه، بل إنها قامت في وجه اليمن واليمنيين دون سواهم، وقدمت الذرائع لتدخل التحالف.

إن دم كل يمني قتل وهو يناضل ضد ظلم وجبروت واستفراد وعنصرية الحوثيين هو دم الحسين بن علي بن أبي طالب، إذا خرج الحسين ضد الظلم فلا ظلم أكثر مما يمارسه الحوثيون، وإذا خرج ضد الاستفراد بالسلطة، فلا استفراد أكثر مما يمارسه الحوثيون.

كل يوم من الحرب في اليمن هي حادثة كربلاء جديدة، كربلاء خاصة سيتذكرها اليمنيون ويتذكرون معها الحوثي الذي صادر بلدهم، وقتل أطفالهم، ومزق نسيجهم الاجتماعي، وألغى مبادئ ناضلوا من أجلها عقوداً من حياتهم وأولها النظام الجمهوري والديمقراطية.

يستغل الحوثيون اسم الحسين للقول بأنهم أفضل من اليمنيين، ويستغلون مقتله لقتل اليمنيين ومصادرة حياتهم، وهم بهذا يقتلون الحسين كل يوم، ويكذبون عليه كل ساعة.

يهرب الحوثيون من قضايا اليمن اليوم إلى قضايا التاريخ البعيد، فلا منطق يمكنهم به تفسير تصرفاتهم الكارثية ضد اليمن واليمنيين، حتى ما يحاولون به تزوير التاريخ وحقائقه، وتزييف الإسلام ومبادئه.

أحيت الجماعة العنصرية ذكرى (عاشوراء) بالجامعات والمدن اليمنية بمظاهر لا علاقة لها بالحسين ولا بآل بيت الرسول، بل بالجماعة وأهدافها التي تتعارض مع كل ثورات اليمنيين وإنجازاتهم خلال قرون.

ظهر أطفال اليمن وهم يعصبون رؤوسهم بشعارات طائفية مقيتة، ويرددون شعارات خارج التاريخ، ولا يعرفون شيئاً عن الجمهورية والوطنية التي صادرتها الجماعة من عقولهم، في عمليات غسيل أفكار ممنهجة ومستمرة وستكون نتائجها كارثية على الأجيال القادمة.

في شارع المطار نفسه الذي اعتصم فيه الحوثيون عند اكتساحهم صنعاء، تحيي الجماعة المناسبات التي تخصها وتريد بها استغفال اليمنيين وتطييفهم وتشييعهم، فقد أحيوا ذكرى (عاشوراء) في ذات الشارع، ورفعوا أعلاماً حمراء تعبر عن دمويتهم وتعطشهم لدماء اليمنيين.

كما أن زعيم الجماعة قال ذات خطاب إن الجزائريين ضحوا بمليون شهيد، في إشارة إلى أن دماء آلاف اليمنيين ممن قتلوا وهم يدافعون عن بلدهم ودولتهم وحريتهم ضد جماعته، وممن قتلوا وهم يقاتلون دعماً لجماعته وشعاراته وأهدافه ضد إخوانهم اليمنيين لا تكفي، وأنه ينوي الاستمرار بالتضحية بهم حتى يصلوا إلى مليون قتيل، وهذا وحده يكفي لكشف نوايا جماعته تجاه اليمنيين الذين سيحرمهم حقهم في اختيار من يحكمهم، وكيف يحكمهم وهذه أبرز حقوق المواطنة بعد أن حرمتهم جماعته من أبسط الحقوق والخدمات بما فيها مرتباتهم.

إن كل يوم يستمر فيه الحوثيون في حكم المناطق التي يسيطرون عليها هو كربلاء يمنية خاصة بلون الدم الأحمر القاني.