فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

فصل المقال في أزمة حزب المؤتمر(4)

Thursday 31 January 2019 الساعة 01:28 pm

منذ العام 1995 إلى العام 2011، كان عبد ربه منصور هادي نائباً لرئيس المؤتمر الشعبي، إلى جانب كونه نائباً لرئيس الجمهورية بقرار أصدره الرئيس صالح مطلع شهر أكتوبر 1994. وفوق ذلك أسندت إليه في العام 2008- على عجل- وظيفة قيادية حزبية إضافية، هي الأمين العام، وذلك بعد النكسة المفاجئة التي عصفت بصحة الأمين العام عبد القادر باجمال.. ولاحظ فعالية مبدأ أهل الثقة، الذي يعمل تحت لافتة تقدير المصلحة الوطنية، فما دام الأمين العام قد كان جنوبياً، إذن لابد أن تؤول وظيفته لجنوبي، حتى وإن كان منشغلاً بأداء مهام وظيفتين هما نائب رئيس جمهورية ونائب رئيس الحزب.

كان الانطباع السائد لدى النخب العامة والحزبية أن هاديَ رجل مطواع، يسهل التحكم فيه، ورسخت مثل هذا الانطباع فترة بقائه في منصب نائب رئيس الجمهورية التي دامت نحو 18عاما، فكان هناك اعتقاد أنه سيكون مطيعا بعد أن يتولى رئاسة الجمهورية المخصصة عرفا لشمالي. لكن الرجل أسقط تلك الخرافة بعد وقت قصير من التصويت الشعبي له رئيسا للجمهورية في شهر فبراير 2012.. لم يحاول أصحاب ذلك الاعتقاد تفهم الوضع الجديد الذي أصبح عليه هادي الرئيس، وما تفرضه عليه المرحلة وشروط اتفاق التسوية السياسية، أي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. رموا هادي بتهمة عدم الالتزام ببعض بنود اتفاق التسوية. وقد كان ذلك من جملة أسباب الخلاف المبكر بين الرئيس الجديد هادي ورئيس الجمهورية السابق علي عبد الله صالح رئيس حزب المؤتمر. في ذلك الوقت المبكر كان الرئيس هادي يحتاج إلى دعم حزبه، لكن بسبب ما قيل إنه لم يتجنب ما يثير نقمتهم عليه، فقد دعمهم.. وإن بصيرته لم تساعده، ولا ساعده مستشاروه على اتخاذ القرارات الهادفة ذات العلاقة بالشأن العام وحقوق أطراف التسوية، وفي نفس الوقت عدم التخلي عن مسئولياته تجاه حزب يفتقر إلى دعمه.

شعر رئيس المؤتمر أن نائبه في رئاسة الحزب وأمينه العام غير موقفه منه ومن قراباته التي تتولى مناصب مرموقة في مؤسسات الدولة -مؤسسات عامة، الجيش، والأمن- بعد توليه رئاسة الجمهورية، وهذا ما أثار حنقه وحنق قيادات مؤتمرية كثيرة. وفي الوقت عينه أظهر هادي نزوعا نحو السيطرة على قيادة المؤتمر، من خلال قرارات كثيرة ومختلفة أدت بعض منها إلى تقسيم معظم أعضاء اللجنة العامة بينه وبين صالح، وانحاز إليه عدد من أعضاء اللجنة الدائمة، فضلا عن أنه تمكن من استقطاب معظم الوزراء المؤتمريين المشاركين في حكومة الوفاق الوطني المؤيدين لقراراتها وقرارات الرئيس التي كان حزبهم يعتبرها مخالفة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومقتضيات الوفاق الوطني، وأكثر أولئك الوزراء جنوبيين (نعتقد أن ما يعرف اليوم بمؤتمر هادي ظهر أصلا خلال تلك الفترة الزمنية).

وسوى مخالفة اتفاق التسوية أو بنود المبادرة وآليتها، كان لدى رئيس المؤتمر ومؤيديه خليطا هائلا من التحفظات والانتقادات والاتهامات التي رموا بها رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر، وأمينه العام.. إنه يضعف مشاركة الحزب وحلفائه في الحكومة، فالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حددت للحزب وحلفائه خمسين في المائة من الحقائب الوزارية، غير أنه من الناحية العملية كان هناك خمسة وزراء فقط يمثلون الحزب وحلفاءه، أما الآخرون فيمثلون هادي شخصيا.. وإنه ما إن تولى وظيفته رئيسا انتقاليا لمدة عامين فقط، حتى أقدم على تصرفات جمدت نشاط الحزب وهددت مستقبله، ومنها مصادرة بعض ممتلكات المؤتمر العقارية، وتجميد أرصدته في البنوك، ولاحقا أمر باقتحام قناة اليمن اليوم الفضائية، فتوقف بثها بعد السطو المسلح على جميع أجهزتها. وإنه اتخذ قرارات وتدابير انتقامية، مثل القرارات التي تم بموجبها عزل قيادات مجربة من وظائفها المدنية والعسكرية والأمنية بجريرة القرابة العائلية مع الرئيس السابق للجمهورية، وعيّن بعضاً منهم في وظائف دبلوماسية في الخارج للتخلص منهم، على الرغم من أنهم لا يشكلون أي خطر على رئاسته، ولا يمكن استعادة النظام السابق من خلالهم.. وإنه يعتزم إبعاد الزعيم صالح من رئاسة الحزب ليحل محله، بينما حزب المؤتمر يحتاج إلى بقاء مؤسسه وزعامته التاريخية لكي يبقى ويستمر قويا متماسكا.. وإنه يشغل نفسه بتفتيت حلفاء المؤتمر، بدلا من الانشغال بمشاكل وأزمات تغرق البلاد بسبب سياساته الارتجالية والخاطئة، فلم يكتف بالنيل من المؤتمر، بل إنه سعى لإضعاف حلفاء المؤتمر أيضا، فهو -مثلاً- التقى مجموعة بعثية ادعت أنها حزب البعث العربي القومي قُطر اليمن- وأثناء ذلك أكدت له ان ممثلة الحزب في الهيئة الوطنية للرقابة والاشراف على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار لم تعد تمثله، فضلا عن أن مدة عضويتها قد انقضت.

قال المؤتمر إن المجموعة التي التقت الرئيس في منتصف يناير 2014، كانت انشقت في وقت سابق عن الحزب الذي يتزعمه قاسم سلام أحد حلفاء المؤتمر، أما بلقيس الحضراني -زوج قاسم سلام- فكانت تمثل في تلك الهيئة أحزاب التحالف الوطني الذي يضم المؤتمر الشعبي والبعث العربي القومي وأحزاباً حليفة أخرى، وأراد الرئيس هادي استبعادها فلجأ إلى تشجيع تلك المجموعة.

وهكذا.. فكلما ابتعد الرئيس هادي خطوة عن رئيس المؤتمر، يقابل بانتقادات وتهم، ثم حض حزبه على التخلي عنه، وبدوره يخطو خطوة لجهة التمسك بقيادته للمؤتمر، وخطوتين نحو قيادات أحزاب اللقاء المشترك وقيادة المجلس الوطني للثورة الشبابية- الشعبية السلمية التي كانت صاحبة القرار الفعلي في حكومة الوفاق الوطني، وكانت شعارات إسقاط النظام السابق ما تزال مهيمنة.

والحق أن بعض تلك الانتقادات والتهم كان لها ظل في الواقع، فمثلاً كان رئيس المؤتمر ومعظم القيادات في أحزاب اللقاء المشترك وحتى باسندوة الأمين العام للمحلس الوطني للثورة الشبابية، يطالبون الرئيس هادي بتشكيل لجنة التفسير المنصوص عليها في الآلية التنفيذية للمبادرة، وهي لجنة يجب أن تتكون من خمسة عشر شخصا، وإليها ترجع الأطراف الموقعة على المبادرة وآليتها إذا حدث بينها اختلاف أو تضارب في فهم بند من بنود المبادرة، فيكون تفسير اللجنة للبند هو التفسير الصحيح والملزم. لم يستجب الرئيس هادي للمطلب، ربما لأنه وجد أن لجنة التفسير ستصبح بمثابة عائق في طريقه يحول دون تطبيق المبادرة وفقا لما يراه مناسبا، والتغاضي عن بعض بنودها لمصلحة ما، عامة أو شخصية. كذلك بعض الانتقادات الموجهة لهادي من قيادة حزبه، كانت مبررة، وهذه وجهة نظرنا بحدود ما نعرفه حتى اليوم، حتى إن الرئيس هادي لم يدفعها عن نفسه، أما من وجهة نظر مؤيديه ومشايعه، فإنه كان يقوم بواجباته، ولم يستهدف أشخاصاً، ولم يقصد محق حزبه بالقرارات والتدابير التي اتخذها خلال فترة حكمه في صنعاء.

قلنا قبل قليل إن الرئيس هادي اتخذ بعض التدابير من جهته محاولة منه للسيطرة على حزبه، لكنه كان يفتقر لدعم داخلي قوي، أما نزوعه هذا نحو تولي القيادة الفعلية للمؤتمر، والذي لم يكن بالأمر الخفي عن النخب السياسية في صنعاء، فلقي دعما من خصوم المؤتمر لكنه جاء مهترئا بل يضحك النملة، فمثلا طالب حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، بإزاحة صالح من رئاسة الحزب تبعا لتسليمه السلطة، ونقل رئاسته إلى هادي، وادعوا أن النظام الأساسي للمؤتمر الشعبي ينص على أن يكون رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر الشعبي في الوقت عينه، كما قال محمد قحطان إن بقاء صالح رئيسا للمؤتمر الشعبي يجعله رئيسا على رئيس الجمهورية هادي، ولا يجوز أن يكون رئيس الرئيس، ولذلك يجب أن تنقل رئاسة الحزب لهادي. والغريب أن توهما مثل هذا انطلى على بعض القيادات الموالية لهادي فتفاعلت معه، مثل الدكتور بن دغر الذي يبدو أنه اكتفى بقراءة نسخة من النظام الداخلي للمؤتمر يرجع تاريخها إلى ثمانينيات القرن العشرين، ففي ذلك الوقت لم يكن ثمة فصل بين رئاسة الدولة ورئاسة التنظيم السياسي الحاكم، فكان النظام الداخلي ينص على أن أمين عام المؤتمر الشعبي العام هو رئيس الجمهورية. أما النظام الأساسي الحالي، مثله مثل سابقيه منذ العام 1990 فلا يوجد فيه مثل ذلك النص البتة، بل يوجد فيه نص يقرر أن المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي العام يختص بتسمية مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية ويقر برنامجه الانتخابي.

أثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ارتقت العلاقة بين رئيس المؤتمر ونائبه الأمين العام إلى درجة أعلى في سلم الخلاف، حتى إن الخلاف استغرق فترة ذلك الحوار الطويل الذي انتهى بتصويت لتمديد فترة ولاية الرئيس هادي. ثم بعده بقليل كلف الرئيس هادي (في أواخر العام نفسه) حكومة جديدة سميت حكومة كفاءات ترأسها خالد محفوظ بحاح. قبل ظهورها كان المؤتمر خول نائب رئيسه وأمينه العام الرئيس هادي باختيار وزراء الحكومة، وبعد ظهورها تبين لرئيس المؤتمر أن هاديَ لم يختر من المؤتمر سوى وزيرين اثنين الأول محسوب على الرئيس هادي نفسه، والثاني أحد قرابات عبد الكريم الإرياني النائب الثاني لرئيس المؤتمر، وحينها أعلن المؤتمر أنهم لا يمثلونه وعليهم الاستقالة للحفاظ على وضعهم التنظيمي في الحزب ولكنهم استمروا، وفي اليوم نفسه الذي ظهرت فيه الحكومة (8 نوفمبر) دعا رئيس الحزب اللجنة الدائمة لاجتماع استثنائي.

تلك الواقعة، وما أدت إليه تفاعلات الخلافات السابقة قادت إلى إجراء غير محسوبة عواقبه.. إذ كان رد فعل رئيس المؤتمر، أنه دعا اللجنة الدائمة عشية يوم 8 نوفمبر لعقد اجتماع، فعقد صبيحة اليوم العاشر من الشهر نفسه، وتم فيه -وعلى عجل أيضا- تزكية مقترح من رئيس المؤتمر أن يصبح الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائبا أول لرئيس المؤتمر، وصادق أمين ابو راس نائبا (دون ذكر ثانٍ، حيث كان الإرياني ما يزال هو النائب الثاني) وأن يتولى عارف عوض الزوكا الأمانة العامة، وتعيين ثلاثة أمناء عامين مساعدين جدد لشؤون المجتمع المدني، والثقافة والإعلام، والشباب والطلاب، وهم -على التوالي- السيدة فايقة السيد، الدكتور أبو بكر القربي، الشيخ ياسر العواضي، بالإضافة إلى الرابع الشيخ سلطان البركاني الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والعلاقات الخارجية.

حسب رئيس المؤتمر أنه بهذين الجنوبيين (بن دغر والزوكا) قد انتزع من هادي منصبيه الحزبيين كلاهما، ولم يتبق له سوى صفة عضو عاد كما كان محتملا.. لم يظهر الرئيس هادي أي ردود أفعال آنية، بل إنه التزم بقرار أصدرته المحكمة الإدارية بعد ذلك الاجتماع بنحو شهر ونيف باعتماد توقيع الأمين العام الجديد الزوكا على شيكات السحب من البنوك المودعة فيها أموال المؤتمر الشعبي، بعد أن كان هادي قد جمد التصرف بها.

وأغلب الظن أن عدم ظهور رد فعل آني من قبل الرئيس هادي، مرده إلى اهتمامه بمتابعة مظاهر القوة المتنامية والمتسارعة للحركة الحوثية في ذلك الوقت، إلى جانب قضية عامة كبيرة، كان يعتبرها استراتيجية بالنسبة لمستقبله، وهي نتائج أو مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي كان أكبر وأطول مؤتمر حوار في التاريخ اليمني على الأقل، حيث بدأ في مارس 2013، واستمر إلى أواخر يناير 2014، وشارك فيه أكثر من خمسمائة عضو من الجنسين.. كيف يمكن نقل مخرجاته من الكراسات المحررة في صالات فندق موفنبيك إلى الفضاء الاجتماعي..؟ فأخذ يوالي توجيه النداء إلى جميع القوى السياسية لتكوين اصطفاف عام لضمان تنفيذها، ولذلك ترك أمر الحزب لأبرز مؤيديه وهو المهندس أحمد الميسري عضو اللجنة العامة للمؤتمر وكان قد أصبح وزيرا للزراعة في عهد الرئيس هادي. الميسري اعتبر ما حدث يوم 10 نوفمبر مخالفة تنظيمية واضحة، ولكن تعليقه على الحالة السابقة بهذه العبارة ليس كل شيء، كما لم يدم صمت الرئيس هادي، وسنفصل ذلك في مقال تالٍ.

(*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية