فكري قاسم

فكري قاسم

تابعنى على

والفرحة تعم أرجاء البلاد!

Monday 04 February 2019 الساعة 08:13 am

آخر فرحة جماعية عمت أرجاء البلاد في اليمن كانت في اعتقادي صبيحة 22 مايو سنة 1990 يوم التوقيع على اتفاقية الوحدة اليمنية المباركة، وكانت الزغاريد تنط من شبابيك ونوافذ البيوت في كل حارة وقرية وشارع في عموم المحافظات، وكان عمري آنذاك أربع عشرة سنة تقريبا، ولا يزال ذلك اليوم عندي هو أجمل وأكثر الأيام سعادة، وشفت الفرح في عيون الناس منهمرا مثل غيث هطل من سماء صافية في يوم شديد الصفاء كثير الفرح.

عشنا من بعد ذلك مواسم أخرى لفرح كبير متقطع هنا وهناك في مناسبات عامة بهيجة رقص وغنى لها جميع اليمنيين في انتصارات كانت تخصهم وتعنيهم وتخاطب عقولهم المشتاقة لشهقة الفرح الشحيح كذلك الفرح العارم الكبير الذي عم أرجاء البلد أثناء انتصارات الملاكم اليمني نسيم حامد، وشفنا اليمنيين بمختلف انتماءاتهم يرقصون في الشوارع وأزقة الحواري ابتهاجا ببطلهم الشاب الذي قال بأن الفضل في انتصاراته على منافسيه في عالم الملاكمة يعود إلى فطرته اليمنية القوية وإلى وجبة العصيد.

كان هناك فرح آخر عارم وكبير عم أرجاء البلاد أيضا عندما كان منتخب الأمل يقود أحلام الجماهير اليمنية إلى نهائي كأس العالم للناشئين، وكان كل يمني في تلك الأيام الجميلة من الحياة يشعر بالابتهاج تلقائيا داخل روحه، وكان عامة الناس، نساء ورجالا، ينتظرون بفارغ الصبر مباريات منتخبهم الصغير مكللين بمشاعر الزهو بين زحام الكبار في عالم المستديرة الساحرة.. ولم نعد نشهد من بعد ذلك عموما أي فرح عام عارم وكبير يغني ويرقص له الجميع بلا استثناء، وأصبحنا الآن بين شعوب العالم أمة منسية بلا أفراح جمعية، وأحزانها كثيرة وهزائمها في الحياة متكاثرة.. ولم يعد أحد يعرف عنا شيئا غير أننا بلاد ذهبت إلى الهاوية.

لدينا الآن في اليمن البائس أفراح بسيطة متفرقة هنا وهناك ولكنها في الغالب أفراح شخصية لفئات معينة أو أحزاب أو جماعات أو مذاهب، ولم يعد لدينا فرح عام يغدق بالسعادة والسرور على جميع فئات الناس في هذه البلاد التي صار أكثر الناس اكتئاباً يحكمونها ويتصرفون بشؤنها ويقودونها من هزيمة إلى أخرى.. وجعلوا منا، خلال سنوات وجيزة، أكثر شعب يعيش في ماراثون هزائم متلاحقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وصحيا، وكلما كان هناك فرصة مناسبة ليخطف اليمنييون لأنفسهم فرحا طائرا، تطير الأحلام وتتبخر الأمنيات ونعود لمعانقة حظنا العاثر كشعب تكاليف الفرح في حياته باهظة وعالية الكلفة، بينما تكاليف الموت والأحزان ميسرة ووفيرة ويمكنك أن تجدها بسهولة في أي زقاق من أزقة البلد النائم في ذيل الأمم.

كان يمكن أن يكون هناك فرح عارم وكبير يعم أرجاء البلد خلال خوض منتخبنا الوطني لكرة القدم الذي وصل لأول مرة إلى نهائي البطولة الآسيوية، ولكن المتحكمين والمتصرفين بالشأن اليمني في حكومة الانقلابيين بصنعاء وفي حكومة الهاربين في الرياض أبوا أن يمنحوا اليمنيين فرصة جيدة لفرح كبير يعيد ترميم القلوب الكسيرة في البلد الكسير.. لكن كلا الطرفين في حقيقة الحال أناس لا يفهمون أن هناك في الحياة انتصارات كبيرة أقل كلفة من انتصارات الحرب التي لن يخرج أحدهم منها منتصراً، وكلنا في هذه البلاد نعيش مرارات الهزائم ونشتاق كثيرا جدا لشهقة فرح عارم وكبير يعم أرجاء البلد مجدداً، ولا أعرف متى سيكون ذلك عموماً.