فكرية شحرة

فكرية شحرة

طفل في ساحة المعركة !

Wednesday 20 February 2019 الساعة 08:18 pm

بدا الأمر كدعابة ..

"عٌمر" الصغير يقلد رجال مليشيا الحوثية الذين انتشروا في مدينته تقليدا يثير الضحك؛ فقد ترك شعره الأكرت يسترسل في النمو بلا خوف من مقص الحلاق.

يسمع زواملهم الحماسية طوال الوقت؛ وهو يأكل؛ وهو يذاكر؛ وهو يلعب.

صار يرتدي ذلك الثوب الملون ويضع على خاصرته حزام مليء بالثقوب يملؤها بفارغ الرصاصات التي يلتقطها من شوارع  مدينة عرفت وقع الرصاص.

كان يقف متباهيا أمام أخواته الخمس أن هذا لباس الرجال.

سماعات الأذن لا تفارق عنقه؛ وأحاديث القتال لا تفارق لسانه.

حتى فقدت الأم صبرها ومزقت سماعة الأذن وانذرته بترك هذه التصرفات التي أفقدته اهتمامات طفل في السادسة عشرة.

نشبت بينهما مشادة فرضت فيها والدته رغبتها بالقوة والصراخ؛ وامتثل هو شفقة بها فكان ينساق لأوامرها بهدوء.

يذاكر دروسه ويذهب لمدرسته ويحاول ألا يخطئ أمام عينيها بشيء يغضبها.

لكن بعيدا عن قلق الأم كان عمر قد ترك مجالسة رفاقه في الحي ليقضي أوقاتا طويلة  في مجلس أبو جعفر المشرف الحوثي في المنطقة الذي يسكن حيهم والذي فتح مجلسه لكل الناس كمندوب عن السلطة.

استبدل الشباب اليافعين مثله برجال المليشيا الذين يهرعون إلى سياراتهم مع كل داعي للهبش في أحد الأسواق كلما وقع خلاف بين الناس.

حاول ألا يغضب والدته لكنها لم تكن لتعرف أن "عُمر" الصغير لم يعد "عُمر" .

فقد ناداه أبو جعفر يوما وقال له:

_يجب أن نطلق عليك أسما قويا أجمل من هذا الاسم البغيض سندعوك أبا كرب أسم رجل قوي.

قبل الاسم بفخر لكنه رفض إغراءات أبي جعفر بالذهاب إلى تعز في رحلة قصيرة لرؤية رجال الله وهم يقاتلون المرتزقة في تعز.

كان أبا جعفر يعايره بالانصياع لكلام امرأة حتى لو كانت والدته؛ ويصر عليه أنه رجل البيت ويجب أن تسمع هي كلامه وبناتها الخمس.

تلك المعايرة أثمرت أخيرا وكان على الطفل أن يثبت رجولته المبكرة.

ذات صباح توجه إلى مجلس أبي جعفر بدلا من مدرسته على أن يعودا قبل نهاية الدوام من رحلة تعز الشيقة بروح النضال كما وصفها له.

كان يشعر أن أبا جعفر يقربه دونا عن كل فتيان الحي؛ ربما لأن والده مغترب ميسور الحال أو ربما لأنه الولد الوحيد لست أخوات فكان لزاما أن يدلله الجميع.

في الطريق غلبه النعاس ولم ييقظه من غفوته سوى صوت الرصاص.

حين فتح عينيه لم يكن هناك سواه في السيارة المكشوفة فقد سقط كل الرجال وانبطحوا أرضا ..

لا يدري قتلى أم يقاتلون ..

وقف مرتاعا وشعر بضربة قوية في ظهره جعلته ينبطح على وجهه في أرضية السيارة.

أزيز الرصاص موحش ومخيف ينهمر في كل مكان كالمطر.

تذكر صرير القلم وهو يكتب على السبورة؛ وجه والدته وهي تنظر إليه كأغلى ما تملك؛ لن يناديه الآن أحد في الحي بأخو البنات فقد شهد معركة حقيقية لا يشهدها إلا الرجال.

شعر أن جسده يطفو فوق سائل دافئ يتسرب من جسده رفع كفه المخضب بدمه وهمس بصوت ضعيف:

_أريد أمي .. خذوني لأمي.

* من صفحة الكاتبة علی ( الفيس بوك )