وجدي الاهدل

وجدي الاهدل

تابعنى على

لحظة الحقيقة..

Wednesday 13 March 2019 الساعة 06:49 am

لماذا فشل العرب في كل شيء تقريباً: السياسة، الاقتصاد، الثقافة، التعليم... الخ؟

يُطارد هذا السؤال المؤلم القادة الثقافيين في العالم العربي منذ قرنين، ولعلهم قد توصلوا إلى العديد من الأجوبة الفعالة، العامة والمفصلة، ولكن ما من أحد أصغى إليهم، وهذا بدوره يتحول إلى جزء مضاف إلى جسم السؤال الأصلي، فيمكننا أن نتساءل أيضاً: لماذا فشل العرب في العمل بنصائح قادتهم الثقافيين للتخلص من فشلهم؟

إنه فشل مركب، لقد فشل العربي حتى في استيعاب أنه فاشل، وهو لا يدرك فشله إلا عندما يوضع على المحك بين الأمم، ويخضع للاختبار وجهاً لوجه مع غيره من شعوب الأرض.

في لحظة الحقيقة التي تأتي موجعة، يتسرب شيء من الفهم إلى العربي ويحس بفشله ويندم.. هناك حالة عمى جماعية سائدة لدى الشعوب العربية، فتتوهم أنها قادرة على صنع الإنجازات وفرض هيبتها وسيادتها في مختلف المجالات، وهذا الوهم ينكشف من أول جولة، سواءً كانت مباراة في كرة القدم أو صراعاً من أجل الموارد الطبيعية والبشرية.

تساهم القناعات التقليدية والثروات النفطية في تصنيع النجاح العربي المتوهم، فهي كنبتة "القات" تعطي لمتعاطيها شعوراً زائفاً بالنشاط البدني والذهني، الذي لا يقود إلى أيّ شيء فعلي حقاً.

كلمة السر التي تفتح أبواب الإجابة على السؤال المؤرق لمضاجع العرب هي "الحداثة".

لقد نجحت الحداثة في الغرب، وفي أجزاء واسعة من الشرق، ولكنها باءت بالفشل في المنطقة العربية، ولم تتمكن من مد جذورها عميقاً في التربة العربية، ولا وجدت مدخلاً سهلاً إلى العقل العربي ووجدانه.

"الحداثة" تعني تغييراً شاملاً في ظروف الحياة نحو الأفضل: نظام سياسي ديمقراطي، دستور يكفل حرية المعتقد والحرية الشخصية، نظام قضائي عادل يُطبق القوانين العلمانية، مجتمع مدني يقوم على المساواة بين جميع أفراده دون استثناء.

قد يُجادل الجهلة ويقولون إن الحداثة ليست أفضل مما نحن عليه.. بل نحن في حال أفضل بدونها! وينسى هؤلاء أنهم تركوا التنقل بواسطة الحمير مثلاً واستخدموا السيارات والطائرات، وهذا يعني أن "الحداثة" هي التي وفرت لهم ظروف الحياة الأفضل، وأما إذا كانوا يريدون العيش خارج زمن "الحداثة" فعليهم إن يعودوا إلى ركوب الحمير.

الإنسان الغربي لا يجد تناقضاً في حياته، فهو حداثي في تفكيره وأقواله وأفعاله وفي تعامله مع الآخرين ومع الدولة والمجتمع، ولذلك هو يستفيد من منتجات الحداثة ويستحق الحصول على الحياة الأفضل.

وأما الإنسان العربي فهو على العكس من ذلك، يمتنع عن تحديث عقله، ويريد أن يقفز بصورة غير مشروعة إلى "زمن الحداثة" ويقطف ثمار المشروع الحداثي، فيستهلك بشَرَهٍ شديد منتجات الحداثة ويدمن عليها؛ وفي غمرة انغماسه في وسائل التواصل الاجتماعي لا يفتأ يردد رفضه المطلق لـ"الحداثة".

إن هذا يشبه شخصاً يدعي أنه نباتي وهو يأكل اللحم ثلاث مرات في اليوم!

حين نستعرض الدول العربية، ونحاول قياس مدى حداثتها وفقاً للمعايير السالف ذكرها، فإننا سوف نفهم ببساطة الأسباب التي تدفع بملايين العرب للهجرة من أوطانهم إلى أوروبا، ولا يتمنون العودة أبداً إلى تلك الأصقاع المحرومة من "الحداثة" السياسية والثقافية والقانونية.

تحديث العقول والقوانين هو الحل للخروج من حالة الفشل العربية المزمنة.

*كاتب وروائي يمني