أحمد مفضل المهدي

أحمد مفضل المهدي

تابعنى على

زيدية اليمن إلى أين؟!

Wednesday 20 March 2019 الساعة 05:31 pm

لا يخفى على الكثير من المختصين بأن الزيدية ما زالت موجودة بقوة في اليمن، رغم محاولة ميليشيات الحوثي بكل الوسائل المختلفة، إضعافها وإحلال ملازم حسين الحوثي بدلاً عنها، والسعي لهيمنة الملازم المشحونة بالتطرف والعنف والتحريض والتعبئات الخمينية للقضاء على ما تبقى من اعتدال وتعايش لدى المذهب الزيدي، وتحرص الجماعة على تأجيج صراع طويل الأمد داخل اليمن.

ولهذا نلحظ أن الحوثيين شوهوا المذهب الزيدي في اليمن، لاسيما بعد أن سافر عدد من مشايخ الزيدية إلى طهران في فترات سابقة، وعادوا محملين بالفكر المتطرف، والمختلف عن فكر المذهب الزيدي تماماً، ورأينا الكثير يتغنى بإيران وثورة الخميني ومحبة الفرس لآل بيت النبي (حسب زعمهم).

كنا نتحدث مع بعض الوجوه الزيدية المعتدلة حول هذه الزيارات والمديح المشبوه، لكنهم أصبحوا في صدمة وذهول بعد سفر بعض الوجاهات لإيران لحضور مؤتمرات في طهران، ولقائهم بالكثير من المرجعيات في قم وطهران تغيرت الأمور تماماً، مؤتمرات منذ 2011 وحتى 2014، حيث التقوا بكثير من المرجعيات، وكانت هناك رحلات مجانية مكوكية إلى مشهد وطهران وقم، وبعد هذه الجولات لإيران تغير طرحهم وأسلوب كلامهم وصيغة خطاباتهم، مما جعل الكثير من العقلاء يتخوفون على مصير ومستقبل المذهب الزيدي وأنه سينحرف ويدخل ضمن أتون صراع مذهبي ويتحول إلى طائفي دموي، وهذا ما كان المذهب قد تجاوزه خصوصاً وأنه خلال القرون الماضية ظهر المذهب الزيدي باعتدال، ولم يكن فيه تكفير للآخر أبداً، كما لم يكن هناك أي تصنيف مذهبي، مثل ما يحدث حالياً بعد زيارات إيران، المذهب الزيدي تميز بوجود الكثير من المعتدلين، ممن جددوا الكثير في المذهب وبرز علماء جددوا في الفقه الإسلامي وتجاوزوا التقليد والرتابة والتعصب فقهاً وفكراً كالإمام الشوكاني، الذي جمع فكر الأئمة الأربعة، الذين سبقوه «المقبلي والجلال والصنعاني ومحمد بن إبراهيم الوزير».
وحول الإمام الشوكاني أفكار هؤلاء الأئمة الأربعة وجمعها ضمن منهج، وعندما تولى، رحمه الله تعالى، القضاء الأكبر للإمام المنصور في شهر رجب سنة (1209هـ) خلفًا للقاضي يحيى بن صالح السحولي، ثم تولى لابنه المتوكل أحمد، فابنه المهدي عبد الله كان يوزع بعضاً من تلامذته على بعض مناطق اليمن التي كانت تسيطر عليها دولة الإمام المهدي، وأصبح هناك توازن وتجديد داخل المذهب الزيدي، وبات الخطاب الزيدي نهضويا، وأكثر اعتدالا وانسجاما وتوازناً مع المجتمع ومتعايشاً مع بقية المذاهب والأفكار والآراء بعيدا عن التكفير والشيطنة، كما بات مذهبا عربيا ليس له علاقة بالفرس، حيث كان ينظر لانحرافات الإثنى عشرية على أنها دخيلة على الدين الإسلامي، وعمل على نسف أفكارها.

بعد كل هذا التحول والتجديد الإيجابي جاءت جماعة الحوثي بأفكارها السامة وحشدت إلى صفوفها أغلب الوجوه المتعصبة وغير المعتدلة وأوعزت إليهم تبني المذهب، وصار بعضهم للأسف يتغنى بشاب قاصر ومنحرف الفكر ويتزعم جماعة تمارس القتل والاعتداء والتنكيل بأبناء المسلمين، ويأتي فقيه زيدي متعصب ليأمر بطاعة هذا الشاب المتهور وأتباعه، وهو يعلم يقيناً بأن ذلك خيانة للأمة وتضييع لمصالح وحقوق المسلمين وتساهل غريب في دماء الناس حتى ممن هم من أتباعهم..

فلابد أن تعود الزيدية لرشدها وأن ترجع لمحيطها العربي، ويجب على عقلاء الزيدية أن يقولوا كلمتهم، وأن يُسمِعوا الناس صوتهم ورأيهم الحق، وأن لا يتركوا المجال لرموز التعصب والانحراف، فدماء الأبرياء والمغرر بهم ستكون في ذمة العقلاء الذين تواروا واختفوا وخافوا وسكتوا، ولو بينوا وتكلموا ونصحوا وأخذوا على أيدي السفهاء والغوغاء لما غرقت سفينة اليمن في هذه الفوضى العارمة..

نعم لقد هلكت اليمن واُهين كل يمني في الداخل والخارج، ووصل الجرح إلى كل مكان بسبب اختفاء وسلبية العقلاء القائمين على حدود الله وترك المجال للسفهاء والغوغاء والحمقى والمغفلين ليقعوا في حدود الله بلا خبرة ولا دين ولا علم ولا حكمة ولا ورع ولا رادع عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا".