وجدي الاهدل

وجدي الاهدل

تابعنى على

الثقافة المستورَدة

Thursday 04 April 2019 الساعة 11:09 am

في الوطن العربي لا أحد يلتفت إلى مسألة "الرأسمال الثقافي". بل تبدو المسألة غريبة نوعاً ما، ومجرد مناقشتها تعد ترفاً، في زمن تبدو فيه الأمة العربية برمتها في مهب الريح.

لكن في العمق، سوف نجد أن سبب البلاء الذي وقع في بلاد العرب –دون سواها من البلدان- مرده الاهتمام بالرأسمال الاقتصادي، وتكريس قوى المجتمع لهذا الهدف، وإهمال "الرأسمال الثقافي" الذي يشكل الهدف الأعلى لأي تجمع بشري، والغاية التي يُفترض أن المجتمع السوي ينشدها.

يُشكل "الرأسمال الثقافي" سوراً متيناً لحماية المجتمع من التجريف والتشظي ومسخ هويته. إن "الرأسمال الثقافي" هو الأداة الأكثر فعالية للحيلولة دون الانتحار الجماعي للمجتمع في حرب أهلية دموية مدمرة.

تُنفق المجتمعات الغربية جزءًا من رأسمالها الاقتصادي في تنمية رأسمالها الثقافي، وذلك عن طريق شراء الكتب، وشراء تذاكر العروض السينمائية والمسرحية والحفلات الموسيقية، وشراء اللوحات التشكيلية والمنحوتات الفنية، بل حتى إن حضور الأمسيات الشعرية والقصصية يتطلب شراء تذاكر.

تُنفق هذه الأمم المتحضرة قدراً لا يستهان به من ثروتها في الحقل الثقافي، وهذه النفقات لا تذهب سدى، ولكنها استثمار بعيد المدى، فهي التي تكرس في وجدان الفرد المبادئ الإنسانية العليا، وتهذبه أخلاقياً، وتُعدِّل من سلوكه تعديلاً إيجابياً، فيكون عنصراً ممتلئاً بالخير والجمال، وحب العمل من أجل خير المجتمع، وحب بناء الوطن وتطويره والرقي به.

كم ينفق العرب على شراء الكتب؟ الرقم بلا شك مثير للرثاء، وذلك حينما نقارنه بعدد سكان الدول العربية الذين يربو عددهم على الأربعمائة مليون نسمة.. ويكفينا للاستدلال هنا أن هذه الجماعة البشرية التي لا تعد ولا تحصى لكثرتها قد عجزت عن إعالة كاتب عربي واحد من مبيعات كتبه بلغتهم!

حتى هذه اللحظة ما من كاتب عربي يستطيع أن يتخلى عن مورد رزقه ليتفرغ لإبداعه مُتَّكلاً على الإيرادات التي تأتيه من بيع كتبه.. ومع الأسف لا يبدو أن هذا سوف يحصل يوماً ما في الوطن العربي.

في الوطن العربي فقط، يحدث أن يُضطر الكاتب إلى الدفع لكي يُنشر كتابه. حتى في دولة فقيرة جداً مثل الهند، فإن أيّ مؤلف قُبلَ كتابه للنشر، يتوقع أن يحصل على دفعة مالية من الناشر مقابل نشر كتابه. وأما عندنا فالعكس هو ما يحدث، إذ يتوقع الناشر أن يتلقى دفعة مالية من المؤلف!

المجتمعات العربية تتحمل مسئولية تلاشي "الرأسمال الثقافي" العربي. وكل فرد من أفراد هذه المجتمعات ساهم بعلمه أو دون علمه في إفقار الثقافة العربية، وجَعْلِها تحت خط الفقر الثقافي.

نحن اليوم نستورد الثقافة كما نستورد العطور وأدوات التجميل والسيارات والأدوية والمعدات التقنية، ونُصفقُ بإعجابٍ للأفلام الأمريكية والهندية، ونُربّي أطفالنا على المسلسلات المكسيكية والتركية والكورية، ويعلم الله أية مسلسلات من قوميات أخرى تنتظر دورها!

إن تعظيم "الرأسمال الثقافي" للأمة العربية والحفاظ عليه ليست مهمة المثقفين وحدهم، ولكنها مسئولية كل رجل وامرأة يتعامل في حياته اليومية باللغة العربية.. وبدون استشعار هذه المسئولية فإننا سنظل نشحذ "الرأسمال الثقافي" من القوميات والأمم الأخرى.