فهمي الكاشف

فهمي الكاشف

"الشخصية اليمنية" وتفاعلها السلبي مع الخارج!

Sunday 14 April 2019 الساعة 03:56 pm

نستطيع الاستدلال على افتقاد اليمن لخاصية الاستمرارية والتراكم المؤسسي الخلاق لتجارب الحياة، بالأمثلة البسيطة التالية: عدم وجود صحيفة أو مجلة مضى عليها مئة سنة متواصلة كما هو الحال حتى في بلد عربي مثل مصر، وبالمثل لا وجود لمؤسسة حزبية تتصف بعراقة التقاليد، أو وحدات سياسية واجتماعية حديثة، تزيح القبيلة والروابط الأولية وتحل محلها لوقت طويل، أو هيئة نقابية أو منشأة ثقافية أو علامة تجارية. خلال الثمانية العقود الماضية ظهرت صحف واختفت. أحزاب وتكوينات سياسية ولدت وماتت في مهدها.

التغيرات السياسية والاقتصادية تكون دائماً محكومة بالانقطاعات والاختفاء الدوري لحساب ديمومة الأشكال والبنى والمكونات الأصلية التي هي من تدبير قوى الطبيعة والمناخ والضرورات القصوى للحياة.

إن كل ما نود قوله يمكن أن نقرأه في مقطع واحد مكثف من شعر البردوني:

أَضَـْعنا بـلا قـصدٍ طريقاً أضَاعَنا
ولاحَ لَـنَـا دربٌ بـدأناهُ فـانمحى

وشَـوَّشَـنا تـلويحُ بـرقٍ أهـاجَنا
وولَّـى ولا نـدري إلـى أينَ لوَّحا

ركـضنا إلـى الـميلادِ قَرناً وليلةً
وُلِـدْنا فـكانَ الـمَهدُ قـبراً تـفتَّحا

السنوات الأخيرة أوضحت لنا كم أن الشخصية اليمنية، إن صح التعبير، مفككة ومكشوفة للتفاعل السلبي مع الحضارات والمجتمعات الأخرى.

اليمن، وخصوصاً يمن الحاضر، سوق استهلاكية مضيافة لشتى الأفكار والمفاهيم الوافدة من الخارج. يستعير اليمنيون بطريقة سطحية أنماط سلوك، وأشكال تنظيم، وعقائد متعارضة، لكنهم غالباً يغيرون استخدامات الأشياء المستعارة، ويسندون إليها مهمات أخرى قد تتناقض مع ما صنعت له في موطنها الأصلي. من الصعب القول إن المحاكاة سمة يختص بها اليمن. تقريباً، كل المجتمعات والحضارات تقتبس من بعضها البعض. مع الفارق أن بعض الحضارات المتفوقة تصدر من القيم وتصيغ من التقاليد الخاصة بها أكثر مما تتلقى وتؤثر أكثر مما تتأثر. "ويكمن ضعف المحاكاة، في كونها عملية استجابة لإيعاز يفد من الخارج" - أرنولد توينبي، مختصر دراسة التاريخ.

هل سألنا أنفسنا هذا السؤال: ما هي اللمسة الخاصة التي أضافها اليمنيون إلى ثورات الربيع العربي؟ ما المصطلح الذي أخذه عنا الآخرون؟ أخذنا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" من التوانسة، وأخذنا حرفياً حتى شتائم الثوار، كلمة "البلطجية" من المصريين وكلمة الشبيحة من السوريين. واستعرنا أساليب الاحتجاج من المصريين ومنها التخييم في الساحات، وحاكينا بعض ظواهر سوريا والعراق. قبل هذه كلها أخذنا أيديولوجيات الإخوان والبعث والقومية الناصرية. ما التنظيم أو الأيديولوجية التي مصدرها اليمن؟ تنظيم القاعدة نشأ في أفغانستان، داعش تأسس في العراق وسوريا، وكانت اليمن مجالاً من مجالات استلهامه فنشأ في اليمن فرع نشط لداعش يحاكي أساليبه وتقنياته. وتأسست جماعة الحوثي على نموذج حزب الله، ثم بعد سيطرتها على العاصمة أخذت تحاكي بعض شكليات نظام الخميني. فضلاً عن أن شعارها مأخوذ من ثورة الخميني، مع إضافة عبارتين إليه.

ومع ذلك، فإن كل أنواع المحاكاة والاستعارات تظل دائماً قشرة سطحية سريعة الزوال بالنسبة للواقع المادي للمجتمع.