د. ثابت الأحمدي

د. ثابت الأحمدي

تابعنى على

الصحفيون والوعاظ.. أوجه التشابه ونقاط الالتقاء

Monday 10 June 2019 الساعة 02:08 pm

لا تشبه فوضى الفتوى الفقهية والوعظ الديني إلا فوضى الصحافة، ومهازل الإعلام؛ إذ تكتنز المهنتان بقطيعٍ من الأدعياء والأغبياء، لا حدود لهم..!

عرفنا أدعياء الصحافة ممن ساعده الحظ في إصدار منشور أسبوعي هزيل، أطلق عليه "صحيفة" وزاد على ترويستها: سياسية، ثقافية، اقتصادية، جامعة..!! وكان ينبغي عليه أن يضيف: "بالجملة والتجزئة". وبعضهم قد يضيف مُلحقاً دعائياً من ورقتين، إذا ما رأى السوق مواتية..!

وضْعُ رئيس التحرير مع زملائه فيها، مثلُ وضْعِ بعض الوعاظ والخطباء على منابر المساجد تماماً، لا فرق، خاصة وعاظ وخطباء الحوثي.

صحفي كيفما اتفق.. يسب هذا، ويشتم ذاك، يختلق الأخبار ويزور الحقائق، غير مكترثٍ بمآلات ما يكتب أو ينشر، وغير مدرك أمانة الكلمة وقيمة الحرف؛ أما لو فتشت في محتوى ما يكتب، لما وسعك إلا أن تقول: الحمدلله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه. وقد تُتمتم بلا شعور: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

أتكلم عن ظاهرة موجودة لمستُها خلال فترة عملي الصحفي التي تقارب 25 عاما "ربع قرن" منذ العام 95 في صحيفة الجمهورية. لا مجرد حالات فردية عابرة، جعلتْ من مهنة الصحافة في نظر البعض مسخرة؛ لأن بعض مدعي الصّحافة مارسوا مهازل صحفية لا حدود لها.

الشأن ذاته مع فقهاء ووعاظ.. أدعياء على الفقه والفتوى، ولا شأن لهم بعلوم الشريعة ولا بعلوم الآلة. حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم، والأربعين النووية، ثم لبس عمامة بيضاء وجبة سوداء والتحق بالسرب في لحظة من هبوب الحظ، فَعَلا المحاريبَ، وتصدّرَ المنابر، بصوت جهور، ينقصه أن يصدح: يا سارية الجبل.. الجبل..! يتعامل مع مسجده هذا كما يتعامل زميلنا الصحفي مع صحيفته تلك تماما، لا فرق. دكان لطلب الرزق واستزادة المال، ومن على المنبر يسب هذا ويشتم وذاك، يفسق ويبدع ويكفِّـر بلا حدود، ووفقا للكاتب الساخر عبدالكريم الرازحي: يكفِّرُ حتى البهائم والدواب، ويكفّرُك وهو نائم..!

يجيبُ عن استفسارات العامة والخاصة في كل قضايا الدين والدنيا، وربما أضاف إلى هذه المهنة مهنة "الرقيا الشرعية" في دكان صغير مجاور للمسجد، مثل زميلنا الصحفي أيضا الذي أضاف ملحقا للصحيفة من ورقتين..! وهذا كله راجع إلى سياسة العرض والطلب بطبيعة الحال، سواء في السوق الصحفي، أو في السوق الديني، فلكلٍ سُوقه، واللهم لا حسد. وفي الوقت الذي يضفي الصحفي على مهنته طابع القداسة الوطنية والنزاهة، يضفي الواعظ أو الفقيه على مهنته طابع القداسة الدينية والأمانة، وكما ينشط الصحفي أكثر في المناسبات الوطنية، ينشط الفقيه والواعظ أيضا في المناسبات الدينية..! فكلاهما موسما ربح مالي وفير، و"كلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له".

كما أعرف صحفيين إلى البدو أقرب منهم إلى المثقفين، أعرف أيضًا فقهاء ووعاظا إلى البدو أقرب منهم إلى العُلماء. ولا أدري ما قيمة صحفي أو فقيه لا يجيد اللغة العربية، ولا يعرف نواسخ الأفعال، أو المبتدأ والخبر، أو المضاف والمضاف إليه، ولا يعرف مرفوعات الأسماء أو منصوباتها، كما لا يعرف الفرق بين الضاد والظاء.! وهذه أساسيات وأوليات في اللغة، كالفقيه المفتي الذي لا يعرف عن المنطق شيئا، وأيضا عن اللغة نفسها، ولا أدري كيف أصف فقيها بأنه فقيه وهو لا يجيد علم المنطق، وعلوم اللغة..! علما أن ثمة علوما مهمة يجب على الفقيه أو الواعظ الإلمام بأساسياتها، ولا أقول بتفاصيلها، فيكفي الحد الأدنى منها، كالفلسفة والمنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع؛ ذلك أن كثيرا من المسائل التي تردُ على الفقيه بعضها ذات بُعدٍ نفسي "سيكولوجي" وبعضها ذات بُعد اجتماعي، وبعضها ذات بعد علمي خالص؛ خاصة وأنهم يحشرون أنفسهم في كل صغيرة وكبيرة، إذ لا بد من عرض كل القضايا عليهم أولًا، حد دعاواهم، مع أن بعضها لا صلة لهم بها من قريب أو بعيد..! على سبيل المثال: قضية "زواج الصّغيرات" التي أثيرت في العام 2009م، فهي مسألة تخص الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع بدرجة رئيسية، وما يقرره الأطباء وعلماء النفس والاجتماع هو المعمول به، باعتبارهم "أهل الذكر" هنا في هذه المسألة، لا الفقهاء أو الوعاظ. ومثلها كثير من المسائل في الاقتصاد والفلك والاتصالات وغيرها، لا علاقة لهم بها.

بالمقابل، كما أشرنا إلى الوجه السلبي لدخلاء الصحافة وأدعياء الفقه على حد سواء، لا ننسى أن نشيرَ إلى أن ثمة فقهاء ووعاظا وأيضا صحفيين هم مشاعل نور، وأعلام هدى. رجالات وطن، وقادات أمة. كفاءات معتبرة، ومواقف مشرفة. أيدٍ نزيهة، وضمائر حية، لم تتسخ بدنس المال الحرام، أو بلوثات الصفقات المشبوهة. نعرفهم عن قرب، ومن لم نعرفه نسمع عنه. ولن ينقص من قيمتهم تصرفاتُ زملائهم، سواء من هذا الطرف أو ذاك. وهذه ــ في المحصلة النهائية ــ هي طبيعة الحياة، وطبيعة الناس في كل زمان ومكان.

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)

* صفحة الكاتب على (فيسبوك)