فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

 الأسرى من قلعة جوهانسبرج إلى قليعة!

Sunday 30 June 2019 الساعة 08:54 am


ضمت قوائم الأسرى التي تبادلها ممثلو الشرعية والحوثيين في السويد نحو 15 ألف أسير من الطرفين.. كان الأمر المبهر الذي شغل به بعض المثقفين، هو أي الطرفين عليه أن يفرج عن عدد أكبر وأي منهما عن قليل؟ ولماذا قبلت الشرعية قائمة الحوثيين الطويلة مقابل قائمة أقصر؟

لم يهتموا لكيفية تبادل الأسرى بسهولة وفي أقصر وقت، كون الجميع يمنيين، كلهم في حالة استضعاف، وأنه يتعين على كل طرف أن يعتق ما لديه من تلقاء نفسه (الاستثناء الوحيد حتى الآن، هو أسرى المقاومة الوطنية- حراس الجمهورية، ففي العام الماضي أمرت قيادتها بإطلاق سراح المغرر بهم، وتم ذلك مرتين، وفي وقتين غير متباعدين، وعلى الرغم من أن إطلاق السراح اقتصر على التهاميين الذين وقعوا وهم يقاتلون في صفوف الميليشيات الحوثية، إلا أن الخطوة جديرة بالتقدير).

تقولون إنكم مسلمون.. ودينكم يحث على حسن معاملة المستضعف، فضلاً عن القانون الدولي الإنساني الذي يوجب حماية الأسرى واحترام حقوقهم الإنسانية.. على أني لا أستسيغ أن يقال عن ضحايا النزاع المحلي أسرى، وإن كان طرف على حق والآخر على باطل.

هل ضرب مثل من التاريخ الإسلامي سوف يزيد الوضوح؟ كان النضر بن الحارث عدوا لدودا للرسول محمد ودعوته.. كلما قام الرسول من بين أصحابه بعد الفراغ من تعليم القرآن، يأتي النضر إليهم يحدثهم عن ديانات الفرس والروم، ويقول لهم هذا أحسن من أساطير محمد.. وقع الرجل في غزوة بدر أسيرا، وفي الطريق إلى المدينة تم التخلص منه، فرثته ابنته قتيلة بقصيدة حارة، تضمنت عتاباً للرسول محمد:

أمحمد يا خير ضنء كريمة في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

فلما وصله ذلك قال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه! أفلا يعني هذا أن مصير ذلك العدو اللدود لرسالة الله ورسوله كان سيتغير لو وصلت إلى الرسول كلمات بنته قتيلة في الوقت المناسب؟ وعندنا -ونحن مسلمون- الزوجة تبكي وتفدي، والأب يستعطف، والأم تنادي، والبنت تناجي، والولد يناشد... فلا يؤثر ذلك في الآسرين الحاجزين، الغشومين قساة القلوب.. يقولون: لا بد من اتفاق.. هات وخذ، شعل سوق، واحد بواحد، خمسة بعشرة، أو الكل مقابل الكل.. 

المهم لا بد من اتفاق.. ولما يكون اتفاقا كبيرا مثل اتفاق السويد بشأن الأسرى والمحتجزين والمخفيين، لا يتفقون على كيفية تنفيذه.. المساومات مستحكمة.. مساومات بالمستضعفين منذ أكثر من ستة أشهر.. والعار الكبير الذي أصبح ملازما للطرفين هو البحث عن وسيط محلي بالنسبة للحالات الخاصة، التي تكشف أن كلاهما يميز حتى بين المستضعفين أنفسهم.. فبعد الاتفاق الذي كان في قلعة جوهانسبرغ بالسويد، أبرمت الشرعية مع والحوثيين اتفاقات تبادل أسرى يقال إنها مخصوصة (مخصوصة لهم قليعة تقلعهم)، وآخر هذه الاتفاقات الاتفاق بين الحوثيين والعمالقة في الحديدة -اليوم الثاني من شهر يونيو- على إطلاق 62 أسيرا مقابل سدس هذا العدد تقريبا من العمالقة، وقبل ذلك بقليل توصل ممثلون عن جيش هادي في تعز وميليشيا الحوثي إلى إطلاق سراح خمسة مقابل خمسة وقبله 15 مقابل 15. ومن قبل ذلك أبرمت اتفاقات بهذا الخصوص بين الطرفين في مأرب والبيضاء.. ودائما يقال إن الاتفاق تم بوساطة طرف ثالث، وهو وسيط محلي غالبا.

على أن قليعة، أو اتفاق العمالقة - الحوثيين في الحديدة المشار إليه، لم يشمل المستضعف التهامي الأسمر الفقير أحمد اسماعيل حسن جيلان ، وبعد أسبوعين من الصفقة مات جيلان في معتقله.. فسحقاً للذين استثنوه، وللحوثيين الذين قتلوه أو تركوه يموت في السجن، ثم ادعوا أن الصليب الأحمر امتنع عن إسعافه، أو أن أصحابه رفضوا استلامه.. لماذا لم يعالجوه ويطلقوا سراحه قبل، وقد كان كل أفراد أسرته يوجهون إليهم عبارات أحر من قصيدة قتيلة بنت النضر بن الحارث؟