جمال محمد حُميد

جمال محمد حُميد

تابعنى على

يا ليتهم حاولوا!

Wednesday 17 July 2019 الساعة 09:29 am

قامت ما تُسمى بثورة الربيع، كما يدعون أنها ثورة، وطالبت برحيل النظام السابق وإسقاط الدولة، التي كُنا نتكئ عليها جميعاً سلطة ومعارضة ومواطنين ومجتمعاً مدنياً.

وبعد ذلك انهارت البلاد والحكومة، ولم يمضِ وقت طويل حتى انهار المواطن، وسقط الوطن وأصبح موصى به، ولم نعد نذكر ما سطره نشيدنا الوطني بأن لن ترى الدنيا على أرضي وصيا.

أصبحنا غرباء في أوطاننا، نازحين من منطقة لأخرى ومن محافظة لمحافظة، تحت وعثاء سفر وارتحال ميؤس منه، يتخلله الكثير من المهانات وذُل عزيز القوم..

قالوا إنه لو رحل النظام سنعيش أفضل مما يعيشه مواطن على وجه الأرض، من خلال ثرواتنا وموانئنا وخيرات بلادنا، وبالتالي رحل النظام وسقطت الدولة والمواطن، لكنهم لم يحاولوا حتى أن يفعلوا ولو بنسبة 1‎%‎ مما كان يفعله النظام السابق..

لم يحاولوا حتى إعانة المواطن.. وأصبحت تلك الثروات المنشودة تُزقر لجيوبهم، لحساباتهم، لجهودهم الهدامة التي هدمت الوطن وأطاحت بالمواطن..

يا ليتهم حاولوا بناء دولة بعد تلك التي أسقطوها!
يا ليتهم حاولوا بناء نظام بعد ذلك النظام الذي دعوا لإسقاطه!

يا ليتهم حاولوا نقل المواطن للعيش الرغيد الذي كانوا يوعدونه به!

يا ليتهم حاولوا ترشيد الثروات وتوريد إيراداتها لسد حاجة المواطن كما كان يحدث من قبل أن يبيحوا نهبها وتوريدها لحساباتهم!

يا ليتهم تركونا نعيش في ذلك الفساد الذي ضمن لنا العيش واستلام الراتب والتنقل بأمان في كل ارجاء الوطن.!

يا ليتهم تركونا نعيش في بيوتنا ولم يُجبرونا على تركها والعيش في مآسي النزوح والبهذلة.!

يا ليتهم حاولوا توفير الأساسيات في حياتنا، كالغاز والبترول والديزل، مثلما كان متوفرا سابقا بالسعر الذي ادعوا أنه فاسد ومسروق.

يا ليتهم حاولوا جعل المستشفيات تستقبل المواطنين، كما وعدونا وخدعونا بأننا لن نحتاج للسفر للخارج، بينما الآن صار المواطن لا يستطيع العلاج في الداخل ولا الخارج.!

يا ليتهم حاولوا تعبيد الطرقات التي شقها النظام السابق وأثبتوا لنا أن ما قالوه صحيح بحق ذلك النظام بأنه لم يشق أي طريق على نفقة الدولة بل كانت هبات تُمنح من دول أخرى..!

يا ليتهم حافظوا على مجال التعليم الذي اتهموا به النظام السابق بأنه دمر الأجيال وأثبتوا لنا ذلك بدلا عما نراه الآن من تدمير عشوائي للبُنية التعليمية للأجيال القادمة...

يا ليتهم حافظوا على النسيج الاجتماعي وأثبتوا لنا ما قالوه بأن النظام السابق يُميز هذا عن ذاك..!

يا ليتهم حاولوا المحافظة على أجواء الديمقراطية والصحافة التي كانت تنتقد أكبر هرم بالسلطة، واثبتوا لنا أن النظام السابق كان نظامًا قمعيًا مزورًا، كما ادعوا ،وخدعوا، المواطنين بتلك الشعارات التي انكشف زيفها اليوم..!

يا ليتهم حاولوا الحفاظ على أعراضهم، والتي كانت مصانة، واليوم تنتهك من الجو والبر والبحر وهُم يُهللون ويشكرون منتهكيهم..!

يا ليتهم حاولوا فقط المحافظة على أقوالهم وتوجهاتهم عندما بدأت الحرب تدق طبولها في وطننا وهللوا لها ولتدخل الآخرين بشؤوننا فتغيروا بمجرد تغير مصالحهم..!

يا ليتهم حاولوا أن لا يغلطوا بحق هذا الشعب ويثبتوا له أن من سبقوهم هم الغلط.!

يا ليتهم حاولوا العمل لأجل هذا الشعب وأثبتوا له أن من سبقوهم كانوا فاسدين وناهبي ثروات كما ادعوا عليهم.!

أخيرًا،
عزيزي القارئ، أود أن أوضح لك أنني لم أكتب ما كتبت من معاناتنا جميعاً لكي أكارحك أو أناقشك، ولكني أطالب أقل القليل مما كنا نعيشه سابقاً.. أطالب أن يحاول الثوار إثبات شيء مما ادعوه وقادوا به الشعب.. أطالب أن يحاولوا توفير ما يستطيعون وبحسب الإمكانيات المتاحة لهم وكل شخص في إطار سيطرته.. أطالب وأطالب.. وأطالب بوطن يحتوينا جميعاً، ونعيش فيه ونأخذ به حقوقنا ونُعطيه واجباتنا تجاهه.. أطالب أن لا نظل نعيش في غربة، ونحن في أوطاننا.!