سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

شعب بن ذي يزن؟!

Saturday 31 August 2019 الساعة 09:56 am

يُقال، لكل شخص من اسمه نصيب، لذا لم أستسغ أن يُسمي شقيقي ابنه "ليث"؛ فهو من أسماء"الأسد"، واقترحت استبداله، حتى لا تُصبح كُنيته "أبو الطاهش" كما في لهجة تعز.. وبلدنا لا ينقصه المزيد من المتوحشين.

فاختار "يزن" بفتح الزّاي، وهذا اسمٌ خفيف الوزن مثل اسمي، الذي حسبته لفترة حِكراً على المُطربين والممثلين، وكنتُ أيام مُراهقتي التي غلب عليها التشدّد الديني، أتلعثم قبل التعريف به بعد رؤية ملامح الاشمئزاز والقرّف في وجوه من أخبرتهم به من مشائخي، حتى وجدته ضمن سلسلة أباء مؤلف كتاب "متن سفينة الصلاة".. وهو شيخ حضرمي.. واعتبرت ذلك حُجة لي، لكنّ أيام المراهقة لم تدم طويلاً.

عُدتُ أمس إلى المُعجم فوجدت اسم "يزن" يُطلق عند عُلماء اللغة على "عُشب ينبت في الصحراء، وينمو بين أعواد القمح، كما يستخدم في الطعام".

وعند المؤرخين "وادٍ" يقع في اليمن، غير أني لم أعثر على مكانه.. وثمة معلومة أظنها الأقرب للصواب تؤكد أنّ اسم "يزَن" يعني "الوادي" بلغة حِمْير، وأصله "يزأن"، ويُطلَق على بطن من "حِمْيَر". وإليه تُنسَبُ الرماح اليَزَنيّة، وكان العرب القُدامى يرفعون رماحهم وأصواتهم مفاخرين: "هذا رمح يَزْأنِيّ". ويُقال: "رمح أزْأَنِيّ، وأيْزَنِيّ".

ونسبة إلى "يزن" ظهرت "العُقدة اليزنية" وتعني في كلمة واحدة "الاتكالية".. وبأكثر منها: البحث عن المُنقذ المُخلّص.

واستعانة اليمنيين بغيرهم لها قصص وروايات لا تكاد تُحصى.. لكنها بدأت في القرن السادس الميلادي باستنجاد نصارى نجران بإمبراطور الروم المسيحي، وتابعه ملك الحبشة.. لحمايتهم من الملك اليهودي "ذي نواس" الحميري، بعد حرقه مجموعة منهم تركوا دينه إلى المسيحية.. ووثقها القرآن في قصة أصحاب "الأخدود".

سردتُ على شقيقي ما سبق، لكنه ظلّ على إصراره، مؤكداً أنّ الأسماء لا تُعلّل.. ورضوخاً لرغبته اتفقنا على إلحاق اسمه المُفضل بـ"ذو" الحِمْيَرية لُيصبح اسم مولوده "ذو يزن"، على اسم أحد ملوك حِمْيَر. وأملنا أن يكون ابننا "ملك الوادي"، أو"مالك العشب"، وذلك أفضل من أن يكون عشباً تأكله الحمير.

والملك "ذو يزن" من نسله الملك "سيف"، صاحب السيرة الشعبية المليئة بالأساطير والبطولات وتسخير الجن أثناء استيلائه على قارتي آسيا وإفريقيا.

وأظن (الجن) الذين لفقوا أسطورته من إيران فارس؛ كما يفعلون حالياً مع الحوثي، لأنّ سيفاً كان في حقيقة الأمر قد لجأ إلى كسرى لمساعدته على التخلص من الأحباش المسيحيين، فدعمه بمقاتلين أطلقهم من السجون وبعد انتصارهم انقلبوا عليه، لتُصبح اليمن ولاية فارسية لمدة خمسين عاماً قبل ظهور الإسلام، وبعده حكمها "باذان".. واتهم الفُرس "عبهلة العنسي" بالردة، وادعاء النبوءة، لأنّه خرج عليهم مع أنّه أبيض البشرة مُشرباً بحمرة كما هي ألوان الحميريين في ذمار.

ويُروى أنّ "عبدالمطلب" جد النبي، وفَد إلى صنعاء مُهنئاً "سيف" بالنصر والقضاء على الأحباش، وله في ذلك هدف تجاري.. فأبناء قبيلته "قُريش" بارت تجارتهم وخسروا أرباحهم من رحلتي الشتاء والصيف عبر الإبل، بسبب سيطرة الأحباش التابعين للدولة الرومانية على بحر"القلزم" الذي صار " الأحمر" وتكَفلت أساطيلهم البحرية رخيصة الثمن بنقل التجارة.

في سبتمبر 1962 تخلصت اليمن من الحكم الإمامي.. وتشكّل النظام الجمهوري بدعم وإسناد كبيرين من مصر عبدالناصر.. غير أنّ إيران عادت للظهور من خلال الحوثيين بعد نصف قرن.. فاستعان اليمنيون هذه المرة بإخوانهم في السعودية والإمارات.. حيث مُعظم سُكان هاتين الدولتين ينحدرون من سُلالة ذي يزن نفسه.