جلال محمد

جلال محمد

تساؤلات حول الخروج لكربلاء

Friday 13 September 2019 الساعة 03:02 pm

سؤال يدور في رأسي كل مرة، ويعلم الله منذ 2012 حين كنت أشاهد قناة (الأنوار) العراقية، والتي تحمل على عاتقها التبشير والدفاع عن المذهب الشيعي كما تفعل قناة (الصفا ووصال وغيرهما) في الضفة الأخرى من نهر الإعلام العربي الآسن والفاشل، كنت دوماً أتساءل لماذا الحسين دون غيره من أولاد علي (رضي الله عنهم)، يكون هذا التثوير والشحن باسمه وقضيته التي أؤمن بأنها مصيبة كبيرة، ومقتلة عظيمة نالت أحب الناس للنبي صلوات الله عليه، وأرادت فناء البقية الباقية من آل النبي محمد، ولكي لا يوصف البعض تساؤلاتي القادمة بأنها تعبر عن شخص (ناصبي) يكره آل البيت، فلا بد أن أبين أن "الحسين" عندي رمز من رموز الفضيلة التي عاشها الكثير من الصحابة وتربوا عليها، آنذاك، وكان سبط النبي وقرة عينه، وهو الثائر المؤمن على البغي والطغيان وعلى الفساد والقُبْح.

ولكن لماذا لا نتوقف عند أمور حدثت ونفسر النزعة وراءها ولو من باب الاجتهاد، والاجتهاد رأي يخطئ أو يصيب وليس كلاما قرآنيا ملزما، ومن تلك الأحداث التي تستوجب التحليل والتفسير مثلاً: لماذا لم يذكر استشهاد الحسين كنتيجة لأحد القرارات الخاطئة القاتلة في تاريخ الصراع بين أبناء العمومة من قريش (فرع بني هاشم وبني أمية)؟ وكيف للحسين أن يخرج للعراق ويكرر خطأ والده رضوان الله عليهما بالخروج من المدينة رغم احتجاج الحسن وقتها وتنبيهه لأخيه بعدم فعل ما هو مقدم عليه؟ كيف للحسين لم يستمع لنصح ابن عباس وقد خبر أهل العراق يوم كان مع والده عندما كان هناك؟ لماذا لم يقتنع على الأقل بعدم اصطحاب الذراري من النساء والأطفال وكبار السن من بقية بيت النبوة؟

كثيراً جداً ما كنت أقول وما زلت أؤمن أن تاريخنا وإرثنا الديني يحتاج للنقد والشجاعة في التقييم، فما بين مقتل عثمان ومقتل الحسين خبايا وأسرار مغيبة، ولنعترف أن الأول قتلته الثورة والثاني قتلته السلطة، وما زال أثر مقتلهما حاضراً بعمق وبقوة حتى يومنا هذا، فمقتل عثمان رضي الله عنه كان يكاد لا يُذكر لولا قميصه، ولولا ذلك القميص لما صمد معاوية ليُنْشئ امبراطوريته فيما بعد ولتتعاقب من بعدها الامبراطوريات.

أما كربلاء فحاضرةٌ في الوجدان وأثرها العاطفي عميق، فقد كانت محاولة لإبادة الذرية المحمدية لاجتثاث أي نفوذ يهدد السلطة، وكلتا الحادثتين تمّ استغلالهما سياسياً ومذهبياً، وكل ما له قدرة على استدرار العواطف وتجييش الجماهير لا غنى عنه.

الارتباط بين السياسة والمذاهب وثيق لا ينفصم، وكل المذاهب الإسلامية ذات منشأ سياسي (الخلاف على الحكم)، منذ السقيفة فمقتل عثمان والجمل وصفين والنهروان وكربلاء، شيعة وخوارج وحتى المعتزلة! إذ "العدل" أصل من أصول مذهبهم وهو مفهوم سياسي وقد تواصلوا مع الحركات الثورية ومع السلطة. فالسياسة بدورها استغلت الدين وتبنّت مذاهب بعينها، الأمويون اعتمدوا مذهب الجبرية والعباسيون اختاروا أهل الأثر (الحديث) وهكذا، ولكلٍ غرضه. وكلما زاد الحضور العاطفي كان على حساب العقل والمنطق.

ما نراه اليوم ماثلاً أمامنا، وما يُقْرأ في أدبيات المذاهب يعطينا صورة قد لا تكون بعيدة عن الحقيقة البعد الكثير، لأن الأدبيات المذهبية جاءت وفق (حوادث) أُختُلِف في تفسير جوانبها وقد يكون هناك اتفاق على جوهرها، وما نعيشه اليوم هو في الأساس تقليد لمن سبق من الأمم التي خلت، دون ابتداع، لأننا بطبيعة الحال (أمة تلقين، نسخ لصق)، وما نراه ونعاني منه في وقتنا الحاضر ممن يدعون أنهم على (نهج) الحسين، يجعل مجموعة كبيرة منا تتوصل لحقيقة أن ثورة الحسين سببها المجد العائلي كونها امتدادا للتنافس الهاشمي الأموي؟! ورغم إقرارنا أن الحسين سبط النبي ذو دين وخلق وقبول لا يقارن بيزيد إطلاقاً، لكن لا ينفي عنه ذلك أن خروجه شعور منه أن الحكم ليس لعامة الناس بل لعلي وذريته، وهذا ما لا يقره الدين، ولكن هذا ما أوُسس له للأسف، أو ما تم التوصل له بعد الاستغلال للثورة الحسينية؟

أتساءل أيضاً لماذا تضحيات بني هاشم في سبيل الحق جُعلت لها قيمة أكثر من تضحيات بقية المسلمين من القبائل الأخرى ومن الموالي؟ هل في الإسلام تضحيات تفرق عن تضحيات؟ أين تضحيات آل ياسر؟ شهداء بدر؟ الأنصار؟ الخنساء وأبنائها الأربعة؟ لماذا لا يكون لهم نفس التثوير والاستغلال والأسى رغم ما أصابهم من مصاب، وما قدموه من تضحيات؟!

تساؤلات كبرى لتاريخ كتب لصالح طرف على حساب أمة للأسف.. ولذا نحن أمة الدم.. نُقدِّس أبطال المعارك، ولا نعبأ بالمفكرين!

نحن أمة الحُزن.. تستهوينا المآسي، وتُطربنا الأغاني الحزينة!

...يتبع