عبدالرحيم الفتيح

عبدالرحيم الفتيح

تابعنى على

لماذا الإصلاح يستهدف حمود الصوفي؟!

Thursday 19 September 2019 الساعة 06:15 pm

مضت ثمانية أعوام منذ قرأت إحدى قصائده تلك، كان ذلك في العام 2012 وكان الشِعر قد انتفخ مثل صدى ليليّ في العام الذي سبق عام ولادة تلك القصيدة قبل أن تتمزق كورة الصدى الليليّ المنتفخة في تلاطم الصخب الصباحي لأصوات الباعة السياسيين الجدد، آنذاك، المتجولين في معاطف وجيوب بلد تحاصره سباع متحيّنة انهالت عليه بعد أن عراه ثوار المحاكاة والإنشاد وأَلْقوه في الريح "وقالوا لا تُسَلّم".

"أحببت...
راهنتُ الصخورَ على الورود...
وقلت للأشباح إن الحب باقْ
راهنتُ بي...!
وبكل شيءٍ أخضرٍ في الكون...
من أجل المحبة والوفاق".

وقتها كانت قد تبلورت في ذاكرتي عدد من الفرضيات أبرزها أن الشاعر المثقف الذي يعبر عن الوجدان النبيل لجوهر الإنسان سيتحول إلى صورة سبارتاكوسية إذا ما اتفق له أن يعبر عن وجدان السلطة.

إنها مرحلة متطرفة من التحول لا يمكن للمثقف معها إلا أن يصبح آلة للقمع بقدرات خيالية في استعذاب ألم الضحية... الأمر ذاته بالنسبة للمتدين حين يصبح لسان حال السلطة.. خذ على هذا المعسكر الشيوعي مثالاً بالنسبة للمثقف أما بالنسبة للمتدين فالواقع المحلي مليء بالأمثلة التي تتداعى يوماً تلو آخر لم يكن آخرها الفتوى التي استصدرها الديلمي والزنذاني في حرب صيف 94.

"أنا لم أكن غيري/ ولن أحيا سواي/أنا..أنا/ وجهُ الحقيقةِ حين يجتثُّ النفاق".

مجدداً أستذهن القصيدة المحفورة بصمت جارح في الذاكرة، صمت تلك الأيام المدوي للكثير والخارس للبعض، بعض الذين حزموا حقائب الوطن بعد هدمه على رؤوس الجوعى تحت مبرر الدفاع عن حقوق الجوعى!!

قرأت القصيدة مراراً وقتها، حفظتها عن ظهر حب، وأدركت أني أمام شاعر مختلف وسياسي مختلف، شاعر وسياسي كان الوحيد الذي لا خلاف عليه بالنسبة لنا شباب تلك المرحلة جميعاً، متحزبين ومستقلين بمختلف انتماءاتنا ومشاربنا.

عبر الشاعر حمود الصوفي عن لسان ووجدان المواطن العادي وجوهره القروي العاشق النبيل منفصماً تماماً عن السلطة، فيما كان السياسي حمود الصوفي في السلطة لسان حال رجل الدولة الجسور بذكاء والصارم بمرونة، في كل جرف كان ثمة خياران اثنان لا أكثر: إما المغامرة في القفز دون خوف من ضياع أكيد. أو الرجوع للخلف دون خوف من موت مؤكد، ننظر يمينا شمالا فلا نلمح أثرا لخيار ثالث، انقسمت المدينة إلى معسكرين، كل معسكر يتشبث ويزبد دفاعا عن خياره الذي اختاره من بين الخيارين الوحيدين.

يقف الصوفي في الوسط لوهلة، وهلة يتلاقح فيها الشاعر العطوف المثقف المصاب بحنين العودة والسياسي الصلب المغامر والمفكر والمتطلع للغد، لحظات ويشير بسبابته نحو خيار ثالث، خيار لا ندري أكان موجوداً فجهلناه أم أنه من اخترعه، درب الخيار الثالث مستجر وسالك وأكثر أماناً وعقلانية وكان بمقدورنا في كل مرة الاستجمام في ضوء نهاية نفقه..

الكل يتذكر هذا في الفترات التي شغل فيها حمود الصوفي محافظاً لتعز بكل منعطفاتها خصوصاً منعطف 2011.

لم يُبيّت أحد حقده لحمود الصوفي لأنه لم يحقد على أحد، ولم يقص أحداً كفعل ونهج حزب الإصلاح الآن، ولم يشوه أحداً كما تفعل دُماهم الناطقة في حملات الاستهداف المتدرجة والمتقفزة على كل من يحظى بإجماع وقبول الجميع، على كل من نراهن عليه وعلى خبراته وخياراته في الحكم والإدارة والحوكمة.

اخترق الإصلاح الحكومة الحالية والسابقة واختطفها ومن ثم وبعد إفراغها من محتواها سارع في حشوها بأسوأ مسؤولين عرفتهم اليمن إذا ما تغاضينا عن كون بعضهم مدرجين في قوائم الإرهاب ومطلوبين دولياً.

الآن يحاول الإصلاح تدمير أي أمل لحكومة مقبلة باستهدافه للخيارات الشعبية المطروحة والمتفق حولها أمثال حمود الصوفي وسلطان البركاني وأمين محمود وشوقي هائل وغيرهم الكثير.

ليس السؤال لماذا يفعل الإصلاح هذا؟!

فالإجابة بديهية، الفاشل دائماً يسد أي نوافذ تلوح للنجاح ويطفق في فذلكة وتسويق مبررات الفشل، لستُ فاشلاً ولكن النجاح غير ممكن، هذا ما يفعله حزب الإصلاح، وهذا السؤال لا يتعالى في أهميته عن هذا السؤال الآخر: لماذا إلا القيادات التعزية؟!

سؤال مهم وإجابته لا تخفى عن كثيرين مُلمّين بالطبيعة الدغمائية التركيبية لحزب الإصلاح (إصلاح مطلع وإصلاح منزل)!!

حزب الإصلاح لا يصلح لهذه المرحلة أبداً، الكل يدرك هذا، من يعتقدون أن الوطنية مجرد خُطب وتصريحات صارخة وبيانات جريئة وإدانات نارية يصلحون وعاظاً في مساجد لا حكاماً وسياسيين في مفاصل الدولة.

الوطن ليس مسجداً ولا يُدار كمسجد، والوطنية ليست خطاباً متلفزاً أو مسجلاً، والتغريدات المعادية لطرف لا يمكن أن تكون مبرراً للعمل كأجير لدى الطرف الذي استهدفته إذ إنه لن يطلب منك الخروج للاعتراف بعمالتك له وإلا لما سمي عميلاً، بالعقلية الاستخباراتية لعبدالوهاب الآنسي واليدومي يفكر ويصرّح ويتحدث ويأكل ويتعبد وينام الإخوان.

لم تخفق حكومة هادي في عدن بسبب قوة المجلس الانتقالي أو تصريحات أحمد الميسري، بل على العكس من ذلك، بسبب فساد الميسري من المتاجرة بملايين قطع السلاح إلى نهب مليارات عمليات التسليح.

لم تخفق الحكومة أمام مليشيا الحوثي بسبب قوة وعتاد المليشيا، بل بسبب فساد واحتيال حزب الإصلاح وتبذير وأخونة وتصريف الملف العسكري.

بسبب الإخوان المسلمين وسياستهم غير السياسية الحقودة والانتهازية والمرتهنة ومنطقهم الشمشوني (عليّ وعلى أعدائي) بسبب هذا لم تفشل الحكومة جنوبا وشمالا فحسب، بل فشلت أمام أصغر مواطن لم يجتز عمره الخامسة عشر كما يحدث في تعز.. تعز التي يلتف إخوانها حول غزوان وغيره من قطاع الطرق ويهاجمون هامة سياسية ومفكرة كحمود خالد الصوفي.

سأظلُّ أحلمُ بالجوانح...
كلما أبصرتُ في وطني وثاق
وأظلُّ أحلمُ بالسماء...
إذا استوتْ في الأرض آلهةُ الشقاق
وأظلُّ أعشقُ ما حَيِيتُ...
وأنثرُ الأحداقَ للعشاقِ...
في زمنٍ مُعاق
وأموتُ مرّات لكي يحيا سواي...
ولا أُريقُ الدمعَ للبنِّ المُراق..