فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

الإصلاح والحوثية.. المشروع المسكوت عنه

Thursday 30 December 2021 الساعة 08:01 am

قرأنا غير مقال، وغير تحليل، كلها تبشر بموات التجمع اليمني للإصلاح -جماعة الإخوان المسلمين في اليمن- في حال فقدوا مأرب، إذ لن يجدوا لهم مكاناً في الشمال بعد أن تستحكم عليه الجماعة الحوثية، كما لن يجد له مكاناً في الجنوب الذي طالما عانى سكانه من الجماعات الإرهابية التي يرعاها.. نزعم أن هذا التحليل خاطئ، والاستنتاج الذي بُني عليه مثله أيضاً.

يفترض كُتاب وصحافيون أن حزب الإصلاح قد فقد كل شيء في صنعاء، وبقية المحافظات الخاضعة لإدارة الحكومة الحوثية، وهو افتراض مبني على الدعاية التي يروجها الإصلاح بأن الجماعة قد سجنت قياداته وأعضاءه، أو قيدت حرياتهم، وصادرت مقرات حزبهم وممتلكاته ونقاباته وجمعياته، ولم تبق له على شيء يمكنه من العمل السياسي، بينما الشواهد تقول غير ذلك تماماً، فالإصلاح الذي تضرر من الحرب لأسباب تتعلق به، ريما تضرر من الجماعة الحوثية في البداية، لكن طول مدة الحرب، والانتكاسات التي عرضت لجماعة الإخوان في معظم البلدان، دفعته للتفاهم مع الجماعة، كما يبدو، في حين هو الحزب الحاكم في الشرعية، على مستوى المناصب العليا، وعلى مستوى المناصب المحكومة بقانون الخدمة المدنية، ولاحظوا -مثلاً- كم عدد وكلاء الوزارات، وينسحب الأمر على الوظائف الدبلوماسية صغيرها وكبيرها، بل ما يسمى الجيش الوطني.

هناك كثير من قيادات الإصلاح في صنعاء اليوم، منها من بقي فيها بعد عاصفة الحزم، ومنها التي رجعت إليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة وفاقاً لتفاهمات سياسية لا تخلو من مصالح شخصية.. أمست هذه القيادات الإصلاحية حلقة الوصل بين الهيئة العليا للإصلاح، ومتخذي القرار في الجماعة الحوثية، وما يقال في وسائل الإعلام عن (تخادم) بين الجماعتين ليس بعيدا عن هذا السياق.

كذلك الحال بالنسبة لحزب الإصلاح في الجنوب، فهو مستحكم في شبوة ولم يفقد منها سوى كرسي ابن عديو، ومستحكم في حضرموت الوادي، كما له نفوذ في أبين والمهرة، وفي أجزاء من لحج والضالع، وحيثما كان للجماعات السلفية نفوذ، وللجماعات الإرهابية وجود، إلى جانب أنه قد حشد إلى جانبه حلفاء وهم قيادات أحزاب نشأت في غمرة 2011، وتجنحات في أحزاب تقليدية.. فضلاً عن أن العداوة للمجلس الانتقالي الجنوبي يوحد بين هذه الجماعات والإصلاح والجماعة الحوثية معاً بوصفها تكتل الدفاع عن وحدة اليمن، يتعين أن تكون متضامنة ضد هذا الانفصالي.. مثلاً يفضل الإخوان لو تتسلم الجماعة الحوثية (الوحدوية)، شبوة في حال أصبح من الممكن أن تقع في يد المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي).

التجمع اليمني للإصلاح والجماعة الحوثية، يلتقيان عندما يظن بعض الكتاب والمحللين أنها عوامل افتراق.. يلتقيان من حيث إن كلاهما جماعة دينية شمولية.. لدى كل منهما تصور حول ما يتعين أن يكون عليه الحكم الإسلامي الذي يسيّر شئون المجتمع، والمجتمع عند الجماعة الإسلامية يجب أن يتبع ضوابط هذا الحكم في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والتربية، لاحظوا تصور الجماعة الحوثية حول هذه القضايا.. والإصلاح كتب في نظامه الأساسي أن من خصائصه (إنه يقوم على أساس منهج الإسلام الشامل لكل جوانب الحياة).. فالتعددية تتعارض مع قاعدة المؤمنين أخوة.. الحرية لا تعني أكثر من أن لا يكون الإنسان عبدا مملوكا.. والديمقراطية وافد غربي، والأصل هو الشورى.. كما أن الأصل في الحاكم أن يكون فردا، ولا تقيد ولايته بأي فترة زمنية.. وبالإجمال ديكتاتورية محض.

يختلف الإصلاح والجماعة الحوثية لجهة المذهب فحسب، فالجماعة تدين الله بالمذهب الزيدي، وهو أحد المذاهب الشيعية الثلاثة السائدة في العالم الإسلامي اليوم، والإصلاح يدين بالمذهب السني.. هذا الخلاف المذهبي يمكنهما الاتفاق على حسمه.. العامل المذهبي أتاح للإصلاح تمثيل السنة ابتداءً من مأرب اليوم، كما أتاح للجماعة الحوثية تمثيل سكان المناطق الزيدية، فقد انطلقت من صعدة لتسيطر على المحافظات التي يسود فيها المذهب الزيدي، ويمكنهما الاتفاق على هذا التقسيم في المستقبل، ومثل ما لدى الإصلاح استعداد للتنازل عن الخلافة الإسلامية، سوف تتنازل الجماعة عن طموحها الحالي، وستكون مضطرة إلى ذلك في مرحلة ما بعد الحرب.. ونشير هنا إلى أن تقسيم اليمن إلى أقاليم، تم فيه مراعاة العامل المذهبي. 

لكي لا يقع ما سبق الحديث عنه، يتعين على القوى الوطنية وفي مقدمتها قوى الحداثة والديمقراطية منع حدوثه من اليوم، أومن الغد.. من خلال عدم تمكين الإصلاح والجماعة من تسخير قدرات الدولة لتحقيق الأهداف السياسية لكل منهما، أو خدمة أغراضهما الحزبية، فحالياً البلاد نصفها شرعية في يد الإصلاح، والنصف الثاني انقلاب في يد الحوثية.. ومن الضروري أن يسري على الإصلاح غدا نفس الإجراء المطلوب من الجماعة الحوثية القبول به.. تسليم الأسلحة وإلغاء التشكيلات العسكرية الخاصة، وعدم دمج اللجان الشعبية التابعة للجماعة الحوثية، والجماعات المسلحة التابعة للإصلاح في الجيش اليمني الجديد.. ويمكن إنشاء إدارة حكومية تتولى رعاية هؤلاء الذين لا ينبغي دمجهم في الجيش.. كما يتعين التفكير بإضافة مبدأ إلى مبادئ الدستور يحدد بوضوح مدنية الدولة، كي لا تتاح للأحزاب الدينية الاستمرار في الاستناد على الدين، أو الاتكاء على التمثيل الديني أو المذهبي، ويتضمن المبدأ الدستوري نصا دقيقا، وهو تجريم -وليس مجرد عدم جواز- تشكيل حزب على أساس ديني.. وحظر أي حزب تشكل على أساس ديني، وتجريم استغلال المساجد وأماكن أداء العبادات من قبل حزب، أو مجموعة منه، أو عضو فيه، لتحقيق أغراض أو مصالح سياسية لذلك الحزب.