د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

إيران وإسرائيل.. ومفارقات اللعبة القذرة.!

Saturday 19 March 2022 الساعة 07:28 am

على افتراض أن لإيران مشكلة حقيقية مع إسرائيل، وأن هذه المشكلة وجودية ومتبادلة، فإن المنطق، أن تندلع بين الطرفين، ولو مرة، مواجهة عسكرية مباشرة، ليس بالضرورة أن تكون بحجم حرب 1967م، بين مصر وإسرائيل.

لكن هذا لم يحدث، بأي قدر، على الأقل من طرف إيران منذ رفع نظامها الكهنوتي الوليد، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، شعار الموت لإسرائيل، وحدد رسالته الجوهرية، في تحرير القدس، وإزالة الدولة الصهيونية من الخارطة.!

رفع يومها شعار "الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد"، وهو اليوم يفتخر بكونه أسقط أربع عواصم عربية، سقوطها يمثل خدمة لإسرائيل، في ظل حقيقة أن الصراع بين الطرفين، هو في الأصل. صراع براجماتي، يتمحور حول السيطرة على مستقبل المنطقة:

إسرائيل، من جهتها تخطط بذكاء لزعامة "الشرق الأوسط الجديد"، في حين أن إيران، من جهة أخرى، تحاول بغباء إعادة أمجاد ونفوذ الإمبراطورية الفارسية الغابرة.

وهكذا.. يخدم كلٌ منهما الآخر: إسرائيل مستفيدة من قيام إيران بإسقاط أو إضعاف واستنزاف أنظمة دول المنطقة، وزج شعوبها في صراعات طائفية وحروب أهلية مدمرة، وتشويه وتمييع القضية الفلسطينية العادلة.

في المقابل. إيران مستفيدة من "البعبع الإسرائيلي"، في استقطاب الشعوب، ونخر الدول العربية من الداخل، واتخاذ القدس والقضية الفلسطينية.. وسيلة لتحقيق نزعتها التوسعية، وإسقاط أنظمة الدول المجاورة، وجعلها تدور في الفلك الإيراني.

الطرفان متخادمان، لا شك. وبالتالي فإن من مصلحة كل منهما: بقاء الطرف الآخر في خدمة مشروعه، وفي نفس الوقت إفشال مشروع الطرف الآخر، وتقليم أظافره، من خلال حرب باردة، تشتعل أحياناً بطريقة لا تخرج عن السيطرة، ولا تفضي إلى حرب شاملة مباشرة.

إذن. اللعبة واحدة، ومع ذلك فهي غير متكافئة، بين الطرفين: إسرائيل، ولأسباب كثيرة، كيان أكثر تماسكا ومناعة من الداخل، وأكثر قدرة وجرأة ومباشرة، في استهداف الآخر، بشكل مباشر. والوصول إلى عمق أراضيه.

إيران. في المقابل، منخورة من الداخل، ومخترقة بشكل فاضح، من قبل المخابرات والعناصر الإسرائيلة، مخترقة حتى مخابراتيا، بالشكل الذي تكشفه بين فترة وأخرى. بعض العمليات النوعية الإسرائيلية داخل إيران.

وصلت أيادي إسرائيل إلى الأقبية المخفية عميقا تحت الأرض، لمفاعل "نطنز" الإيراني، وإلى إرشيف مقر الطاقة النووية، في قلب طهران، والاستيلاء على آلاف الوثائق الأهم منه، ونقلها إلى إسرائيل.!

الطائرات المسيرة الإسرائيلية، باتت لها مقرات سرية داخل إيران، وتستهدف إيران من داخلها، بينما الطائرات المسيرة الإيرانية، باتت لها مقرات داخل بلدان عربية، تنطلق منها لاستهداف هذه الدول.!

وفي مقابل أن إسرائيل نجحت مرارا باغتيال عدد من كبار علماء الذرة في شوارع المدن الإيرانية، والوصول إلى مواقع إيرانية ذات خصوصية عسكرية عالية، لم نسمع مرة. عن خلايا تابعة لإيران في تل أبيب، أو أن أجهزتها الاستخبارية، نفذت عملية نوعية أو غير نوعية هناك.!

لم يحدث مرة أن قام الحرس الثوري الإيراني، ولو بالغلط، باستهداف الكيان الإسرائيلي بصفعة مباشرة، ولو ردا على الصفعات الإسرائيلية المباشرة التي تتلقاها إيران عادةً بالصراخ والتهديد، ثم تخمد دون رد من أي نوع.!

في أحسن الأحوال، حين تجد إيران نفسها مضطرة للحفاظ على هيبتها أمام اتباعها، فإنها تنتقم لنفسها من هدف وهمي، في دولة عربية قريبة منها أو من متناول ميليشياتها المسلحة في هذه الدولة، بطريقة لا يمكن غالبا اعتبارها حتى استهدافا غير مباشر لإسرائيل.

على سبيل المثال. قامت إسرائيل، قبل أيام، بانتهاك سيادة إيران، بطائرات مسيرة، دمرت مصنعا للطائرات المسيرة داخل إيران، التي ردت على هذه العملية، بانتهاك سيادة العراق، وأجوائها، بصواريخ باليستية أطلقتها على مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان.!

قالت إيران إنها قصفت هناك هدفا إسرائيليا، غير أن هذا الهراء لم ينطلِ على أحد، حتى شيعة العراق الذين أدانوا بكل قوة هذا الانتهاك لسيادة دولتهم، بمبرر حتى لو صح، فإنه شأن عراقي داخلي ضمن الخصوصيات السيادية، للعراق.!

وهذا ما يحدث عادةً: إسرائيل، تستهدف إيران، بشكل مباشر، في عمق الأراضي الإيرانية، كما تستهدفها بشكل غير مباشر، بضرب ميليشياتها في الدول الأخرى، كسوريا، بينما إيران تنتقم لنفسها في بلدان أخرى، وتزعم أنها تستهدف إسرائيل.!

هذه هي ملامح المفارقة في المعادلة المختلة، لهذا الصراع، والسبب. ليس لأن إيران عاجزة، عن استهداف إسرائيل بشكل مباشر، فلديها صواريخ بعيدة المدى، كما أن صواريخها وطائراتها المسيرة في يد "حزب الله"، الذراع الإيرانية على حدود إسرائيل.

بل لأن النظام الإيراني لا يجرؤ أو على الأرجح لا يريد، وبالنسبة لحزب الله، فإن آخر ذكرياته، ذات الصلة، هي عملية "الوعد الصادق" 2006، عناصر من هذا الكيان الإيراني في لبنان، تسللت خلف الحدود، وقامت بخطف جنديين إسرائيليين وقتل آخرين، فردت إسرائيل بقصف بيروت واجتياح الجنوب، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية للبنان، واستعادة جندييها الأسيرين، بالقوة، ومن دون تفاوض.!

بعدها، وبعيدا عن الشعارات والخطابات العاطفية، والحركات الاستعراضية، وجه "حزب الله" أنشطته، بعيدا عن إسرائيل، داخل سوريا، كغيره من أدوات إيران في اليمن والعراق وسوريا، هذه الأدوات الإيرانية مستعدة دائما للتضحية ببلدانها من أجل إيران، فرسالتها ووظيفتها هي مد خارطة إيران في المنطقة، لا "محو إسرائيل من الخارطة".!