نائف حسان

نائف حسان

تابعنى على

السياق التاريخي لحديث "غدير خم".. "الولاية السياسية" ليست المقصودة

Monday 18 July 2022 الساعة 05:33 pm

يجب معرفة السياق التاريخي لما قاله النبي في "غدير خم"، لأن ذلك يؤكد أن "الولاية السياسية" لم تكن المقصودة في حديث النبي.

مقتطفات من كتاب "الشخصية المحمدية" لمعروف الرصافي بشأن "الولاية":

حديث "غدير خم" لم يتضمن أي تصريح من النبي بالخلافة لعلي بن أبي طالب.

"إن محمداً قبل خروجه لحجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة كان أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن لهَمْدَان يدعوهم للإسلام، ثم بعث بعده علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد بن الوليد وأن يكون هو مكانه، ثم لما خرج محمد لحجة الوداع وكان في مكة قدم عليه من اليمن علي بن أبي طالب بعد ما أسلمت هَمْدَان وكان قد حصل شيء من النزاع والخلاف بين علي وأصحابه الذين كانوا معه في اليمن وكان منهم رجل اسمه بريدة بن الحصيب فجعل بريدة هذا يشكو علياً للنبي ويذكر ما حصل له منه من جفوة، وجعل وجه النبي يتغير من كلام بريدة، فقال له: يا بريدة لا تقع في علي فإن علياً مني وأنا منه، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال: بلى يا رسول الله، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وكان المخاطب بهذا الكلام بريدة لا غير، ثم لما وصل محمد إلى غدير خم مرجعه من مكة أحب أن يقول ذلك للصحابة عموماً تبرئةً لعلي مما تكلموا فيه، فجمع الصحابة وخطبهم خطبة بيّن فيها فضل علي وبراءة عرضه مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وبخلاءً، وكان الصواب مع علي لا معهم، فقال في خطبته:

"أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فيما أنتم قائلون، قالوا: نشهد إنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم حض على التمسك بكتاب الله. ووصى بأهل بيته، فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن تتفرقا حتى تردا على الحوض، وقال في حق علي بعدما كرر عليهم "ألست أولى بكم من أنفسكم" ثلاثاً، وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف، ورفع يد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، الله وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار".

هذه خطبة محمد في غدير خم، وهي كما تراها ليست في أمر الخلافة في شيء. ولو كان مراده تعيين علي للخلافة لكان خيراً من هذا الدعاء الطويل العريض أن يقول، ولو على طريق الاستشارة، إن علياً هو خليفتكم من بعدي، فماذا تقولون؟

ومهما يكن فإن هذا الحديث رواية من الروايات وخبر واحد من الأخبار ولم يدون في الكتب إلا بعد أن تداولته الألسن وتنازعته الأهواء التحزُّبِيِّة أكثر من مائة سنة، وقد صححه بعض رواة الحديث، وقدح في صحته بعضهم كأبي داوود وأبي حاتم الرازي، وقال بعضهم إن ما جاء فيه من قوله "اللهم وال من ولاه" إلى آخره، من الجمل الإنشائية الدعائية زيادة موضوعة، إلى غير ذلك مما يدل على أن الأهواء التحزُّبِيِّة قد تلاعبت فيه بالزيادة والنقصان وبالقدح والتصحيح حتى إن الشيعة رووا فيه أنه قال لعلي "أخي ووصيي وخليفتي في ديني"، وأنه قال "سلموا على علي بإمرة الناس"، إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة، فأضل طريق لطلب الحقيقة في هذه المسألة هو أن يترك هذه الأخبار الملفقة ويرجع إلى ما يؤيده العقل والنقل من أن محمداً لا يليق به أن يُعَيِّن أحداً للخلافة على هذا الوجه الذي يناقض ما وضعه لأمته من مبدأ "الشورى"، كما يناقض ما كان هو مأموراً به من مشاورة الصحابة في جميع الأمور المهمة. 

وقد سئل الإمام النووي هل يستفاد من قول النبي "من كنت مولاه فعلي مولاه" أن علياً أولى بالإمامة من غيره؟ 

فأجاب: إنه لا يدل على ذلك، بل معناه عند العلماء، الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقيق ذلك، "من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلي كذلك".

وللمولى معان كثيرة ومعناه المناسب للمقام في هذا الحديث هو السيد الذي ينبغي محبته ويتجنب بُغضه، لأنه إنما قال "من كنت مولاه فعلي مولاه" في سياق الرد على من تكلم في علي بما هو براء منه، ويكون المعنى: فكما عليكم أن تحبوني ينبغي أن تحبوا علياً. 

فمن أين يفهم من هذا الحديث أنه أولى بالإمامة، فينبغي أن يكون ذلك في المآل لا في الحال قطعاً، والمآل لم يُعَيِّن له وقت فلا يكون هذا الحديث نصاً على أنه الخليفة عقب وفاة النبي، ويدل على ذلك أن علياً نفسه لم يحتج بهذا الحديث إلا بعد أن آلت إليه الخلافة رداً على من نازعه فيها، فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قاض على كل من له أدنى عقل بأنه لا نص في ذلك على إمامته فوراً، أي عقب وفاة النبي.

ومما يدل على أن هذا الحديث لا نص فيه على إمامة علي ما قد تواتر به النقل عن علي نفسه من أن النبي لم ينص عند موته على خلافته أحد لا علي ولا غيره، فقد قيل له –أي لعلي– حدثنا فأنت الموثوق به والمأمون على ما سمعت، فقال: لا والله لئن كنت أول من صَدَّق به لا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي عهد في ذلك ما تركت القتال عليه ولو لم أجد إلا بردتي هذه. 

وفي رواية: لو كان عندي من النبي عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم وعدي (يعني أبا بكر وعمر) ينوبان على منبره ولقاتلتهما بيدي. 

ومما تناقلته الرواة أن النبي لما اشتد مرضه أتى علياً عمه العباس فقال له: قم بنا نذهب إلى رسول الله فإن كان هذا الأمر فينا عَلِمنا، فلو كان في الحديث نص على إمامة علي لقال عند ذلك لعمه العباس: لا حاجة إلى ما تقول فإن النبي قد جعل الأمر لي من بعده.

وأيضاً مما وردت به الأخبار عن يوم سقيفة بني ساعدة أن الأنصار قالوا "منا أمير ومنكم أمير" وأنَّ أبا بكر احتج عليهم بأن "الأئمة من قريش"، فلو كان هذا الحديث نصاً على إمامة علي لذكروه واحتجوا به على أبي بكر وعلى الأنصار، وقالوا لهم ورد النص بخلافة علي، ولم يكن بين حديث غدير خم وبين ذلك إلا نحو شهرين فاحتمال النسيان على علي والعباس وسائر الصحابة بعيد جداً. 

على أنه ورد أنه لمّا قيل لعلي أن الأنصار قالوا "منّا أمير ومنكم أمير"، قال: "هلا ذكرت الأنصار قول النبي "يُقبل من محسِنَهم ويتجاوز عن مسِيئهم، فكيف يكون الأمر فيهم مع الوصاية بهم"؟!

فلو كان علي يعلم أن النبي نص على إمامته من بعده لذكره أيضاً كما ذكر هذا رداً على الأنصار.

إن الذي نعلمه من سيرة علي بن أبي طالب هو أنه شجاع لا بالسيف فقط بل به وباللسان أيضاً، شجاع بالسنان وباللسان، فكما أنه كان في الحرب رابط الجأش جريئ الجنان، كان لا يسكت عن الحق في معرض البيان فلا تأخذه في الحق لومة لائم ولا تخيفه فيه قوة جاحد مكابر. 

فإذا جاز الاعتماد على رواية الرواة، جزمنا أن علياً كان كذلك، وإن هذه الصفة الممتازة فيه هي التي عرقلت عليه مساعيه لمّا تولّى الخلافة. 

لكن انظر إلى الشيعة ماذا تقول؟

يقولون إن علياً إنما ترك النزاع في أمر الخلافة تقية وامتثالاً لوصية النبي أن لا يوقع بعده فتنة ولا يُسَلّ سيفاً.. سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم. 

إن التقية نوع من النفاق وحاشا أبا الحسن أن تكون فيه ذرة من نفاق، وكيف يجعله النبي إماماً على أمته ويمنعه أن يَسُلّ سيفاً على من امتنع من قول الحق، وكيف امتنع من سل السيف على أبي بكر وعمر وعثمان مع قلة أتباعهم، ثم سَلّهُ على معاوية مع وجود من معه من الألوف، وكيف سانح له أن يقول كما تقدم: لو كان عندي من النبي عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم وعدي ينوبان على منبره".

إن علياً لم يترك النزاع في أمر الخلافة تقية كما يقولون، بل قد بين هو سبب تركه النزاع كما بين سبب قتاله لمعاوية إذ قال: 

"إن النبي اختار أبا بكر لديننا فبايعناه، فولاه عمره فبايعناه، وأعطيت ميثاقي لعثمان، فلمّا مضوا بايَعَنِي أهل الحرمين وأهل المصرين، البصرة والكوفة، فوثب فيها من ليس مثلي ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقيته كسابقتي، وكنت أحق بها منه، يعني بهذا معاوية".

ولعمري أن أنصف الناس في هذه المسألة هو الحسن المثنى بن الحسن السبط، فإنه لما قيل له خبر "من كنت مولاه فعلي مولاه" نص في إمامة علي؟ قال: أما والله، لو يعني النبي بذلك الإمارة والسلطان لأفسح لهم، ولقال لهم يا أيها الناس هذا وال بعدي، والقائم عليكم بعدي، فأسمعوا له وأطيعوا، ووالله لو كان رسول الله عهد إليه في ذلك ثم تركه لكان أعظم خطيئة.

وخرج علي بن أبي طالب من عند رسول الله في مرضه، فقال الناس: كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً. 

فأخذ بيده العباس فقال: أنت بعد ثلاث عبد العصا، وإن رسول الله سيُتَوَفّى في مرضه هذا، وإنِّي لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فأذهب إلى رسول الله فاسأله فيمن يكون هذا الأمر، فإن كان فينا عَلِمناه، وإن كان في غيرنا أمره أوصى بنا. 

فقال علي: لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يُعْطيناها الناس أبدأ، والله لا أسألها رسول الله [أبدأ]" (الكامل في التاريخ، ابن الأثير، تحقيق الدكتور عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، 2012، الجزء الثاني، ص 183). والرواية مذكورة في كل كتب السيرة تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام".

انتهت المقتطفات.

______

كل كُتُب السيرة النبوية تؤكد ما قاله "معروف الرصافي" في الأعلى.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك