فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

سلطان الجن أم سلاطين الشعوذة؟

Thursday 22 September 2022 الساعة 08:24 am

مررنا في القاهرة على لافتات كتب عليها: العلاج بالقرآن والسنة. الشيخ فلان.. الرقية الشرعية، علاج الممسوس، إخراج الجن من الجسد، علاج المسحور، رد الغائب، فك المعقود، إعادة الحبيب، إطلاق المسجون!

كنا نعتقد أن هذه الظاهرة فاشية في مجتمعات عانت من العزلة وحرمت من العلم، كالمجتمع اليمني مثلاً، إلا أن العيادات من هذا الصنف موجودة في كل حي وشارع بالعاصمة المصرية، إلى جانب عيادات الأطباء المتخصصين، حملة الدكتوراه، ومعظمهم مدرسون في جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر وغيرها، وملحقة بعياداتهم أحدث أجهزة التشخيص ومختبرات التحاليل الدقيقة.

هذه من المتناقضات العجيبة في المجتمع المصري الذي كنا نعتقد أن تاريخه الطويل مع العلم، وتجربته مع الطب الحديث قد حررته من جاذبية الخرافة والمشعوذين، فإذا بأفراد منه يذهبون إلى دكاكين الدجالين يطلبون رد الغائب، أو التخلص من جن غزوا أجسادهم، ويصدقون أن أولئك الشيوخ لديهم قدرة على إطلاق سراح سجين، بينما هم مشعوذون، لا قضاة محاكم ولا وكلاء نيابات، ولا رجال ضبط قضائي على الأقل.

والحال أنه لا يمكن لجني دخول جسد إنسان، أو التحكم به، كأن يتحدث بلسانه، أو ينحله، أو يصيبه بأي علة من العلل، لكن -كما ترون- ما يزال كثير من الخلق يتجهون إلى المشعوذين والمعالجين بالقرآن، وأكثر هؤلاء يحتالون لأكل أموال الناس بالباطل.

حدثنا صديق أن أباً عرض ابنته المصابة بعلة نفسية على واحد من هؤلاء، فشخص العلة "مس شيطان".. جني دخل في جسدها واستقر في رأسها.. وبدأ في العلاج: قراءة آيات، ويهذرم مرة، ومرة يهدد الجني بأنه قد عزم عليه الخروج من رأس أمة الله، ومرة يضرب البنت في الرأس ليؤلم الجني ويكرهه على الخروج، وحاول مراراً، وفي نهاية كل جلسة كان الأب يدفع للمعالج، فلما لم تبق لهذا الأخير حيلة، أراد أن يبرر لنفسه أكل أموال الأب، وذلك أنه همس في أذنه: هذا الجني أخبرني أنه لن يخرج إلا من فرج الفتاة! فانتفض الأب: لا، لا، لا، بنتي بكر.. فأخذ ابنته ومضى.

من يقدر أن يقنع أباً كهذا، بأن القرآن قد قال على لسان الشيطان نفسه: ما كان لي عليكم من سلطان.. وإن الأمراض النفسية التي يقال إنها من مس الشيطان لها أسباب عضوية، وتعالج بعلم مختصين في علوم الطب، وليس بما يكتسب به المشعوذون، وكذلك المعالجون بالقرآن، والتعاويذ، والرقى.

قد استحكمت هذه الثقافة الخرافية في رؤوس الناس، لأن المشعوذين والدجالين وبعض أهل العطالة لا بد أن يكتسبوا لأنفسهم وعيالهم، ولذلك استمرت هذه الوظيفة إلى اليوم، على الرغم من أن الناس لم يفيدوا منها من قبل قط، ولن تفيد بعد أبداً.

قبل نحو ألف عام قال الإمام ابن حزم، إنما يلقي الشيطان في النفس، يوسوس فيها، أما أن يتكلم على لسان أحد، فحمق عتيق، وجنون ظاهر، فنعود بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات.