عبدالله الصعفاني

عبدالله الصعفاني

تابعنى على

مهمة الإنجاب في اليمن.. هل من شيءٍ في الطريق؟

Wednesday 12 October 2022 الساعة 03:49 pm

يودِّع الشاب العاطل الفقير حياة العزوبية فوق دراجة نارية، وفي يده علاقي قات (مبودر).

 وبعد شهور قليلة من ليلة زفافه يبدأ فضول الأهل في معرفة القدرات الإنجابية بالسؤال التقليدي: قد في شيء بالطريق أو ماشي..؟

 والأهل في اليمن عادة لا ينظرون إلى عمر ابنهم، ولا إلى اكتمال نضوج عروسه القاصر، وإنما يطلبون الإنجاب الخاطف لتطمئن قلوبهم بأن (ابن الوز عوَّام..).

 وتخوض عروس الأمس القريب مهمة الإنجاب مرّة واثنتين وثلاث وأربع وخمس، والزوج في وضع انتظار وليّ العهد الذي قد يتأخر.

وحتى لو جاء الولد (المنتظر) يبدأ هاجس الحاجة لأنْ لا يكون المولود (أخو البنات)، وحينها فالواجب العائلي المقدس يقضي بوجود (أخ آخر لتتواصل مهمة توسع عددي يفسره خائب الرجاء (الأب) بقوله: أنا كنت اكتفيت بالتسعة، بس نادية جاءت غلطة، وحمود قدك داري انه اسم الوالد (الله يحفظه)، والقات كان رجالي وقارح.

 وطالما سمعنا في أسواق السمك أو أسواق القات من يؤشر إلى سمك اسمه (الولد) وقات ما بعده إلا (الولد) كإحدى مفردات المقاوتة لإغراء موالعة مخدوعين من المهد إلى (المهد).

 والمواطن اليمني في الأغلب مؤمن بأن كل مولود يأتي إلى الدنيا حاملاً رزقه فوق ظهره، وهو ما يفسّر غزارة المواليد وغياب مسؤولية وعدالة الإعالة والتربية الكفؤة، لكنه يغفل حقيقة أن الله الرزاق أمرنا أن نأخذ بأسباب الرزق، وتنظيم الحياة.

 كما أخضع الكون كله لقوانين جعلت الصين تحوّل الانفجار السكاني الكبير إلى قيمة إنتاجية واقتصادية مذهلة، وليس إلى مجاميع تأكل بعضها احترابًا وتنمّرًا وفسادًا، أو تجعل من التسول ظاهرة لا تقف عند حدّ.

  وقبل أيام كنتُ شاركتُ في حلقة نقاش نظّمها المجلس الوطني للسكان لاستعراض أيّ أفكار للارتقاء بالواقع السكاني ضمن أهداف وخطط المجلس الوطني للسكان، واستمعتُ من خبرات نسائية ورجالية إلى أفكار تعكس الرغبة في تقييم ما هو كائن، وما يجب أن يكون.

  وفي اللقاء جرى استعراض أوراق وشهادات تؤكد، بأرقام لا تكذب ولا تتجمل، أن المشكلة السكانية في اليمن تتفاقم وتعكس ظلالها الكئيبة على كل تفاصيل الحياة.

  وكما أن عدد سكان اليمن تضاعف خمس مرات خلال الخمسين السنة الماضية، كشفت دراسة نشرتها مطبوعة صادرة عن المجلس الوطني للسكان أن العدد سيصل إلى 61 مليون نسمة خلال الـ25 السنة القادمة.

 والمؤسف أنه لا نوايا حقيقية في الالتقاء حول فكرة الوطن، وإيقاف الحروب والأزمات، وتحقيق السلام كشرط لأيّ تنمية تستوعب هذه الأرقام.

  وتتفاقم أزمة التنمية السكانية في وجهها البائس في أوضاع سياسية ومجتمعية صعبة ومعاناة حقيقية، من الفقر وتداعياته على قضايا الأمن الغذائي، وسوء التغذية، وتردي الخدمات التعليمية والصحية، وانعكاس كل ذلك على تفاصيل تبرز في نمو سكاني غير رشيد، وتردي أوضاع المرأة والطفل، وزحمة الفصول الدراسية والتسرب التعليمي والنحافة والهزال، والعنف المنزلي، واتساع رقعة المتسولين.

  وكان واضحًا من نبرات المتحدثين حجم التحذير من تنامي الفجوة الهائلة بين السكان وبين تلبية احتياجاتهم الضرورية، وأنّ تصورات الحل تتوارى أمام تكاثر أوجاع البلد، فيما الحلول معقدة في بلد مثقل بالحروب والأزمات، وشحة الموارد، وغياب روح الإنتاج.

 وليس تشاؤمًا التحذير من تراجع التنمية السكانية إلى أبعد الحدود، وتزايد عدد أطفال الشوارع، وزيادة رقعة مواطنين يمنيين ينهضون عقب كل صلاة ليطلبوا المساعدة وإلى جوارهم أبرياء، يناشدون المصلين بنبرات مهزومة ومنكسرة بأن يشفقوا على عوائل كبيرة، وأطفال ينتظرون ما تجود به أيدي مصلين ليسوا بعيدين عن المعاناة.

 شكاوى طويلة من مرارة الجوع والحاجة للدواء، يرددونها حتى ينسوا بأن معظم المصلين غادروا المسجد.

  وأتفقُ مع مخاوف الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للسكان، الصديق مطهر زبارة، أن التنمية السكانية مفهومٌ واسع وشامل، وأن كثيرنا يخطئ في النظر إليها بشكل مبتسر وقاصر على أنها تنظيم الأسرة فقط، وأن الأمر يحتاج إلى تصحيح المفهوم وتطويره، ولكن لا بد من التخفيف من أوجاع القضية السكانية وفق المتاح؛ لأن المجتمع اليمني بحاجة لِما تيسّر من هزات كهربائية تدعوه للتسليم بضرورة تنظيم الأسرة.

  وأشعر هنا بالإشفاق على كل من يشعر بخطورة الانفجارات السكانية في بلد يعاني، لأن هناك من لا يزال يستنكر الدعوات لتنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات من منابر الجوامع بحجة الحاجة للتكاثر، و(المباهاة يوم القيامة..)، لكنهم يغفلون أضرار التكاثر الذي يكون (كغثاء السيل) في بلد يعاني ثنائية الحرب والفقر.

وغير معقول أن تدعو مؤسسات مجتمعية وحكومية إلى تنظيم الأسرة بمعرفة وعلم، فيأتي من ينسف ذلك في سياق خطبة، متجاوزًا أوجاع الظروف الصعبة، متغافلاً عن قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا).

  مهم جدًّا أنْ نغادر المثل اليمني (ما بدا بدينا عليه)، ونوازن بين المقدمات والنتائج، ونستوعب الفرق بين قدرِيّة التوكل على الله وبين تعمُّد الدفع بأحوالنا إلى التهلكة، وكأننا في سفينة مزدحمة بمجاميع من الحمقى قرروا خوض هجرة غير شرعية محفوفة بالمخاطر الساحقة، والظروف الماحقة..!

* نقلا عن موقع اليمني - الأميركي