محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

الحديدة و"الضيم" الذي يخنق السمراء

Saturday 13 January 2024 الساعة 04:32 pm

بعد أن تحولت صنعاء وما جاورها من مدن "الجبل" إلى حصون تراقب أهلها، وتحصي أنفاسهم وتحصد من يشذ عن المسلك المرسوم في خريطة وازنة بالفكر المنتدب القادم من خلف عمائم طهران، وتلتهم أولئك الذين تطفح آلامهم بالأنين المستعر، وتحولهم إلى عملاء وخونة ليصبحوا خلف أربعة حيطان ضيقة بلا ثقب نحو السماء، وأصبحت شوارع تلك المدن بما فيها صنعاء، موحشة مقفرة يملأ كل ثناياها الفقر والحرمان والجوع والبطش والنسيان، تحاول الحديدة أن تصبح ملاذ آخر الميسورين في الشتاء لتكون لهم متنفساً أخيراً.

وهي الوحيدة في الشمال اليمني الملبد بغيوم الظلم الحوثية ساقتها الأقدار لتصبح جارة البحر، وتتربع على الخريطة مدينة سمراء يتلهف لها أبناء الجبل شتاءً، لتكون لهم الجو الدافئ والهواء العليل، واليوم هي أشبه بمدينة جبلية، لا فرق، فالحوثية ترى في كل المدن وأهلها مشروع حروب ومعسكرات، لا فرق، فالبحر والجبل والسهل، المدن السكنية، ومخيمات المعسكرات، كل ذلك له هدف واحد "مشروع حروب دائمة".

والحديدة وهي تعيش هذه الأيام حالة استنفار حوثية، لا مجال فيها للمدنية أو التنزه، تتكدس فيها قوات المشاة في انتظار قدوم الأمريكيين الذين لن يأتوا، وتتوافد عليها كل قيادات الحوثية، هروباً من شتاء صنعاء إلى دفء الحديدة، باسم التحشيد والتهيئة والاستعداد لمواجهة الأمريكان.

وبينما تعبر المدرعات والأطقم ينظر أبناء المدينة السمراء إلى أنفسهم، أي تعبير يمكن لهم وصف الحالة، أي حياة يمكن لها أن تكون عادلة ومدينتهم مسلوبة، تُحفر من حولها الخنادق، وقنوات لدخول مياه البحر لتحيط بها من كل جانب، ينظرون إلى مدينتهم والحوثية تحولها إلى معسكر كبير المدنيون فيها دروع بشرية، يتحسرون، يتألمون، يئنون، بصمت، والصمت على الضيم ينهك البدن، وخاصة في حالة العجز عن ردعه. 

السمراء تختنق بالحوثية، تختنق لأنها ترى المستقبل بلا أفق، بلا أمل، بلا تنمية، بلا حضارة، بلا كهرباء، بلا ماء، بلا ميناء تكون إيراداته جزءًا منها لصالح أبنائها، إنها مدينة تخدم غيرها، مدينة وهُبت لإيران لتنطلق منها لتحقق مصالحها وأجندتها.

في كل ما سبق يستشعر الواجب ذاته، ويدور في ذهنية المقاومة أن المخا التي عادت من جديد، عادت بالتنمية والحياة دبت في كل مفاصلها، عادت وأصبحت صالحة للحياة والمقاومة أيضاً، لا بد أن تستعيد الحديدة مجدها ومركزها، ولا بد أن تعود يمنية خالصة، تعود لها الحياة المدنية وينقشع عنها غبار الحوثية والأجندة الإيرانية، إنه الواجب الذي يستشعره كل حر ومقاوم من الساحل الغربي حتى مأرب وحضرموت وكل المناطق المحررة.