مصطفى ناجي

مصطفى ناجي

تابعنى على

نظرة أخرى إلى "المتحوثين الجدد"

Monday 05 February 2024 الساعة 04:54 pm

وجد الحوثيون في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة حقيقية لرفع رصيدهم ونقله من الدعائي الذي اشتغلوا عليه منذ عقود وهم يقتلون اليمنيين إلى واقع عملي غير قابل للدحض بسهولة. 

وبحساباتهم الخاصة فإن المسألة تستحق المغامرة مهما كانت التبعات. وفي كل الأحوال إذا تغاضى العالم عنهم فهو الفوز وإذا رد عليهم وشن حربا فهي الرحمة. 

وأيا كانت الحرب الجديدة عليهم فلن تكون أسوأ من السنوات التي مضت. أو هكذا يتصورون.

لقد اعتادوا على سماع صوت الانفجارات وتدبير أمر قتلاهم وجرحاهم وتعزيز مواقعهم الدفاعية وتطوير تقنيات تهريب تكنولوجيا وقطع عسكرية إيرانية. 

كانوا يخوضون الحرب الأولى عليهم بارتجاف شديد وفقدان شرعية. اما الحرب التي يسمونها ب"الأمريكية البريطانية" عليهم فانها مصدر شرعية غير مباشر طالما لم تقصم ظهرهم خصوصا إذا سارات على منوال السابقة التي لم تمس هيكل القيادة. أما القتلى من الجنود والمواطنين فلا محزون عليهم وفيهم.

سيقاتل الحوثيون العالم أجمع من منظور عقائدي ونفعي من أجل محوره المحور الإيراني حتى آخر نفس في اليمنيين. 

لكن ماذا عن المتحوثين الجدد؟

في الحقيقة، هذه التسمية تعكس الورطة الجماعية التي وضع الحوثي الناس فيها يمنياً وإقليمياً ودولياً. 

وهي ترجمة للعائد الكبير من الاستثمار المغامر في قضية رابحة كالقضية الفلسطينية. 

تنقل التسمية مواقف من انقسام النخبة لكنها تقول لنا الكثير حول قدرة الحوثي على الحشد والتجنيد في صفوف المواطنين باسم حربه الجديدة.

انخراطه في الحرب باسم مناصرة غزة جعل للوهلة الأولى كل مناصري القضية الفلسطينية أمام أزمة ضمير. من يمكنه رفض عمل اي شيء ينقذ غزة من هذا الجحيم المجنون؟ 

ثم أليست هذه القضية هي ام القضايا وسبق للجميع يسارا ويمنة خصوصا الجماعات الاسلامية بمختلف مشاربها ان استثمرت في هذه القضية؟ 

لكن ازمة المتحوثين الجدد وضعت القوى السياسية امام استحقاق تنظيمي لم يكن في الحسبان خصوصا حزب الإصلاح. ومثله يقال على التيار السياسي السلفي. 

"المتحوثون الجدد" -وأضعها بين مزدوجتين- او الذين انساقوا عاطفيا وراء افعال الحوثي كثر وهم من كل التيارات السياسية اليمنية لكن لم يعد احد يكترث لها او يهتم بمواقفها. 

والانقسام الذي يظهر الان واضح في كل المكونات وسبق للحزب الاشتراكي ان أبدى تصريحا يعكس هذه الازمة الداخلية والتضارب القيمي بين قضايا الداخل والصراع مع الحوثي من جهة والقضية الفلسطينية والتواطؤات الدولية لابادة سكان غزة من جهة اخرى. لكن يبدو انه لم ينتبه له احد. 

انما وجد حزب الإصلاح نفسه في ازمة لسببين: كونه بشكل مباشر وغير مباشر استثمر كثيرا في القضية الفسطينية اسلامويا وبات الان مثله مثل كل الجماعات الاسلامية امام استحقاق لكنه لا يستطيع فعل شيء. وتوجه اليه الأنظار اكثر لقضم اي رصيد سياسي واجتماعي له. 

والثاني انه يقع في قلب الاستثمار الحوثي للقضايا وتوجيه ضربات لخصومه المحليين من خلال تفاعلاته الدولية. لذا كما لو انه بات لزاما على الاصلاح ان يثبت صلابة بنائه التنظيمي. 

الأصوات التي ظهرت من الجماعات الإسلامية مشيدة بالحوثي كثيرة ولها اعتبار تاريخي في مسار الاحزاب السياسية الاسلاموية. لا يمكن تجاهل ما سيقوله الزنداني او الشريف او الحزمي. ويصعب على الناس تفهم ان ما يصدر عن هولاء لا يعبر عن الخطوط العامة للاصلاح بالنظر إلى مواقعهم القيادية او نفوذهم على الفضاء العام.

هذه واحدة من تبعات الحرب على البنى السياسية اليمنية وواحدة من تبعات بناء كيانات سياسية وفق تحالفات فضفاضة على اسس الحشد واللم دون القدرة على الغربلة عبر انتخابات داخلية. 

لكنها ايضا نتيجة لغياب حوار وطني بين القوى السياسية والحكومة اليمنية لبلورة موقف ناضج وموحد يعفي اليمنيين من هذا التشرذم الذي يصب في مصلحة الحوثي.

هي جرس إنذار امام اي صياغة لمواقف رسمية او حزبية تجاه نتائج ما يفعله الحوثي والرد الدولي عليه. يجب اعتبار مشاعر الناس والتنبه للجهاز الدعائي الحوثي. 

الخلاصة، كلما طالت الحرب وامتد الصراع في اليمن جرد الحوثي خصومه من شرعياتهم.

*من صفحة الكاتب على إكس