د. أحمد عبداللآه

د. أحمد عبداللآه

الحكومة.. ذلك «الدّكّان الضئيل»

Tuesday 13 February 2024 الساعة 07:19 pm

موارد محاصرة وقطاعات حيوية مشلولة.. خلل هيكلي وعجز مزمن في الموازنات العامة وفي الأصول الأجنبية.. إصدارات نقدية أغرقت السوق منذ سنوات.. تقليص خطوط الائتمان للشركات التجارية.. المانحون والمودعون وكذلك المقرضون جميعهم تعبوا.. هياكل بيروقراطية تضخمت وكتل كبيرة من المسؤولين والدبلوماسيين خارج فضاءات البلد.. وحكومة انتُزع رأسها وأعيد تركيب رأس آخر مستخدم. 

عزيزي القارئ تلك ليست مقطوعة نثرية أو واحدة من "أغاني الراب الكئيب" أو كلام في تفسير "صرخة إدفارت مونك" وإنما عناوين حالة الاقتصاد التي تزداد قتامة مع حركة الحكومات المتتالية منذ فرار الرئيس إلى المملكة وتدخل عاصفة الحزم لإنقاذ (شرعيته) حتى نهاية عام تاسع من التوحش. 

عاصر الشعب أوضاعًا متراكمة ومستحيلة بلغت حدودًا لم يعد معها أي مبرر موضوعي ممكنًا، وليس بمقدور أي سياسي مخضرم أو استراتيجي أن ينفذ بتحليلاته إلى عقول الناس. وكأن هناك حاجة في هذا المقام إلى كشف المخفي أو فحص تنبؤات العرافات، من الجدة بابا فانغا إلى العمّة ليلى، أو استدعاء مهارة (كبار البراهمة) القديمة لقراءة كفوف هذا الشعب المنحوس باللغة السنسكريتية، كفًّا كفًّا. 

أو ربما المسألة بحاجة أكثر إلى روائي ساخر لمرة واحدة من نوع "جان تولي" ليعيد تأليف رواية "متجر المنتحرين" بصورة مختلفة وبإيحاءات شعبوية جديدة، فالشعوب تدربت على سوق الإعلام وحيل المهرجين. وحين يتفلّت الشعب حرفيًّا من قبضة الحياة الحقيقية ويخرج عن دوّار الأمل مهرولًا نحو كوارث متتالية، تصبح الحكومة "دكانا ضئيلا" مهمتها تقتصر على بيع أدوات الموت البطيئ بالمعنى المجازي (وعود وخطابات ووهم)، دون أن تمنحه الحرية للبحث عن الترياق. 

في كل مرة يستمر العجز الرهيب عن إجابة منطقية لأسئلة وجودية حول كيفية تأمين البقاء للشعب والدفاع عن حياته، فيما تستكمل الحكومات واحدة تلو الأخرى أعمارها الافتراضية في الطائرات والفنادق وهي تدرك في كل مرة بأن الشعب هو المنفي الجائع المتشرد في دياره. أسئلة تسد الأفق. 

في عام 2015، اقتنعت الشرعية بأن كل العالم خلفها وبأنها مؤبدة إلى أن تستعيد العرش في صنعاء، وتصرفت على خلفية تلك العقيدة حتى فقدت حس المسؤولية الأخلاقية. ثم اكتشفت بعد أن مات عشرات الآلاف وجاع وتشرد الملايين أنه قد حان "تغطيس" رئيسها، ليس بمفهوم التمسيح طبعًا وإنما بالإخفاء السياسي تعميدًا لفرضية السلام أو الاستسلام (لا فرق بين البنديرتين). وهذا يعني أنه في زمن غير بعيد سيأتي الدور على الرؤساء الجدد وفقًا للعرض والطلب في سوق المقايضات وذرائع السلام المغدور سلفًا. 

سلام مع مَن أصبح ملك الغاب وسيد اللعبة يملي ولا يُملى عليه، يقول كلمته وعلى الآخرين أن يصغوا.. يغلق البراري والمدن والموانئ في وجه شعب جائع وجريح فيأتي العالم وسيدة العاصفة لتليين موقفه.. يُوفَد مبعوث وراء مبعوث ولأجل عينيه تأتي أمريكا الكبرى بمندوبها الذي لا يحيد عن ترديد العبارات كما هي، مثل روبوت أصلع من الجيل الأول. كل ذلك لم يجدِ نفعًا مع فتيان الكهف. 

عزيزي القارئ، قد يحتاج المرء بالفعل إلى علاج بالكهرباء ليفهم كل هذا الفشل أو، إن شئت، كل هذا القبح. وكيف أن الشرعية وحكومتها لا تزال تعيش حالة ترف الخطاب المتكرر والوعود؛ بل وأصبحت تدعو العالم لأن يطلق عاصفة جديدة لتحرير التهائم والبحار، عسى أن تطيل دور الهارب الجاثم على سدة الحكم. 

وعَودٌ على عُود البداية أعزائي القراء: تسع سنوات استطاعت خلالها الحكومات ومن خلفها الرؤساء ودول التحالف أن تغافل جماهير الشعب العريضة (حسب توصيف الزعيم).. ذهب رئيس وآتوا بثمانية رؤساء مما تعدون، وذهب رئيس حكومة وأتى آخر بعد آخر.. وما بدّل الحلفاء والوسطاء أدوارهم تبديلا، تاركين الشعب منهمكًا على "تدوير عجلة الروليت" في انتظار رصاصة السلام. 

أسئلة كما هي ثابتة، لا إجابة منطقية لها سوى الانتظار الذي يبدو متاحًا بل إجباريًّا حتى تحل المفاجأة ويتم إغلاق "متجر المنتحرين". 

نقلا عن صحيفة الأيام