حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

بين مقتل "إمام" ورئيس: لماذا اختلفت العواقب؟

Sunday 01 April 2018 الساعة 08:20 am

في الأربعينات من القرن الماضي استفظع المجتمع في الشمال عملية اغتيال الإمام يحيى حميد الدين. وقد تقدم نجله ووريثه أحمد مستغلا مشاعر الصدمة والانفعال للتعبئة ضد "الانقلاب" والتحرك لإسقاطه بالقوة وتصفية المشاركين فيه. لم يستغرق كل ذلك سوى شهرين.
هذا السيناريو لم يحدث عقب مقتل الرئيس صالح.. لماذا؟
هل لأن ضمير المجتمع في تلك الحقبة كان يستفظع وينكر قتل الملوك، ولو تحت أي ذريعة إصلاحية أو ثورية، بينما الضمير العام هذه الأيام لم يعد مهيّأً لكي يهتز وينفعل لمقتل أهم رجل حكم اليمن على مدى 33 عاما، الرئيس الذي كان في معظم سنوات حكمه يتمتع بشعبية غير مسبوقة على مستوى البلاد؟
هل السبب يكمن في التغيّر المفترض في الحساسية الأخلاقية لدى الناس أم في الوعي السياسي.. أم أنه لا هذا ولا ذاك يمكن أن يقدم التفسير الصحيح لاختلاف تداعيات وردود فعل الناس تجاه حدثين تاريخيين، أحدهما جرى في أربعينات القرن الماضي والآخر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟
من يستطيع أن يحكم ما إن كانت الصدمة والهلع اللذان أحدثهما مقتل صالح أعظم وأوسع من الصدمة الناتجة عن اغتيال يحيى حميد الدين؟
من السهل جداً معرفة مقدار الهول العام الناجم عن مقتل صالح بتلك الطريقة البشعة، رغم أنها من زاوية أخرى هي نهاية يمكن القول بأنها بطولية. لقد أثار الحدث طوفانا من المشاعر اختلط فيها الحزن بالهلع والخوف مع الاستهجان المرير العاجز، يضاف إلى ذلك شعور بالإعجاب إزاء نهاية تذكّر بمصارع الرجال الشجعان. 
إذن، ما الذي كان ينقص هذه المرة لكي تتحول مشاعر الصدمة إلى حالة سخط جارف ومن ثم إلى حركة وفعل عسكري وسياسي وجماهيري ناجز وسريع ضد الجهة المنفذة لعملية الهجوم على سكن صالح وقتله ومعه أمين عام حزبه؟
أولاً، كان نجل الإمام يحيى في تعز أثناء اغتيال والده العجوز في صنعاء. كان لديه تنظيم عسكري ونفوذ اجتماعي جاهز للاستخدام في التعبئة والتحرك الفوري، وكان لديه اتصال سالك مع الخارح بحكم موقعه المتقدم في دولة ونظام والده. وهذا أحد العوامل التي لم تكن متوفرة في نجل صالح حينما تم قتل والده. وثانياً، يجب ألّا ننسى الفارق الجوهري المتمثل في طبيعة نظامين أحدهما ملكي ثيوقراطي والآخر كان يحكم بشرعية الجمهورية وإن كان يعتور سلوكه بعض المخالفات للمبدأ الجمهوري.

كان يمكن حدوث ردة فعل وسيناريو مشابهين لسيناريو الأربعينات لو أن صالح قضى في حادث تفجير جامع النهدين 2011. 
بل لقد حدث خلال العامين التاليين لذلك التفجير سلسلة تداعيات اجتماعية وسياسية مشابهة من بعض الجوانب لتداعيات مقتل يحيى حميد الدين. 
فمنذ الأيام والأسابيع الأولى بعد الحادثة راحت كفة المشاعر تتحول لمصلحة علي عبدالله صالح ضد معارضيه المشتبه بضلوعهم في العملية التي أصابت صالح بحروق بالغة شملت معظم جسمه وأودت بحياة بعض من أهم رجاله وأصيب كل المسؤولين الكبار الذين كانوا معه في المسجد.
بعد 6 سنوات من تلك العملية تم قتل صالح على يد الحوثيين. فعلوا ذلك بينما قد أصبح الرجل في موقع الرئيس السابق. لم يعد يملك قوة عسكرية ضاربة تدين له بالولاء وليس لديه وريث ذي صفة رسمية من عائلته، وهناك حرب تقودها السعودية وقد وضعته في خندق واحد مع الحوثيين بناء على مكائد وتلفيقات خصومه. هناك عنصر التشويش الذي تمارسه تلك الحرب، فاستغله الحوثيون لتلبيس صالح تهمة كانت جاهزة مفادها أنه ضالع في خيانتهم لمصلحة السعودية وتحالفها. على الرغم أنهم من بدأ التصعيد العسكري ضده ومن ثم مهاجمة منازل أقاربه وتطويقه. كانوا مبيّتين التهمة مسبقاً، ثم جاء خطابه في 2 ديسمبر مطابقا لما تمناه الحوثيون، حيث وجدوا فيه مجالا لاصطياد ثغرات صالحة للتأويل وفبركة عريضة اتهام لإذاعتها تسويغا لفعلتهم.

هل هذا يعني أنه لا عواقب جسيمة سيجنيها الحوثيون نتيجة قتلهم للرئيس صالح، كما كان الحال بالنسبة لمصير الجهات الضالعة في عملية تفجيره قبل 6 أعوام، تلك الجهات التي حصدت عواقب صنيعها بطريقة أو بأخرى، أو كما كان الحال بالنسبة للعواقب التي نشأت عن اغتيال يحيى حميد الدين؟
بالطبع لا أحد يدري ما الشكل الذي ستتخذه تلك العواقب المحتملة. من شبه المؤكد هو أن فعلا كبيرا كهذا لن يكون بلا ثمن. قد لا تظهر الارتدادات على الفور هذه المرة وقد تأخذ أشكالا متعددة غير مألوفة.

السهولة والسرعة التي أتم بهما الحوثيون عملية قتل صالح هي أعظم برهان على أن الرجل لم يكن يحتفظ بأذرع عسكرية ضاربة لا نظامية ولا شعبية خلافا لما ظل خصومه يرددونه طوال الأعوام السابقة عن استمرار ولاء الجيش له ولعائلته، وقد تبنت وسائل الإعلام المحلية والدولية أكذوبة "قوات صالح" في صياغة الأخبار مقترنة دائمًا بمليشيا الحوثي.
وبقيت هذه الأكذوبة سائدة وتتكرر دون نقاش باعتبارها بديهية متفقا عليها.
رغم أن صالح كان واضحا أكثر من مرة منذ البداية وهو يؤكد أن الحوثيين هم سلطة الأمر الواقع وأن ما تبقى من وحدات عسكرية يخضع لإمرتهم بصفتهم الجهة التي زحفت على العاصمة وانتزعت السلطة من الرئيس هادي الذي كان شريكا حاسما للحوثيين في الانقلاب على نفسه، بحسب رواية صالح وأنصاره.