حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

"الإمامة" = فصل صنعاء عن اليمن

Wednesday 06 June 2018 الساعة 10:08 pm

إذا تباهى الإماميون الجدد في اليمن بأن خلفهم تاريخاً طويلاً يضم ألف سنة من محاولات السيطرة والحكم، فإن خلف اليمنيين، في المقابل، ألف عام من التمرد والثورة والمقاومة التي اتخذت أشكالاً وأساليب مختلفة.
وهذا إنما يدل على وجود نوع من الجدل التاريخي المتكافىء بين ميراث الخط "الإمامي" من جهة، وميراث الخط اليمني المعاكس له من جهة أخرى، والذي سدد أقوى وآخر ضرباته في 1962.

هناك تاريخ طويل من المغالبة والمجالدة، والخضوع والتحرر، الاستعباد والانعتاق.. حلقات متوالية وجولات صراع كان آخرها ثورة 26 سبتمبر وإعلان الجمهورية.

لدى الإماميين مسرد تاريخي منفصل يحكي حظوظ أسلافهم وإخفاقاتهم المتسلسلة، ويروي دورات من التمدد والانكماش، من الخمول والنشاط.. ولدى اليمنيين بالمقابل مسرد تاريخي موازٍ، وذاكرة وطنية غنية بالتجارب التحررية المتنوعة وأنماط من ردود الفعل الناجحة ضد الغزوات والاجتياحات الإمامية وضد كل مساعي الطغيان والهيمنة الكهنوتية.

فإذا حاول الإماميون العمل على إعادة وصل ما كان قد انقطع من تاريخهم بفعل ثورة سبتمبر 1962، فهذا يستدعي على الفور إحياء خبرة اليمنيين وتجاربهم التاريخية في التصدي للإمامة والاستعانة على ذلك بكل الوسائل الممكنة.

أسطورة الألف عام يقابلها الحقيقة التاريخية التي مفادها أن اليمن تمكنت على مدى الألف عام من حصر الغدة "الإمامية" في جيب صغير في أقصى الشمال من الجسم اليمني الكبير، ولم يكن هذا الجيب ينفتح ويتسع إلا حينما يصادف فترات من الفراغ السياسي والانقسام.
بأكثر من طريقة ربط الحوثيون أنفسهم في وعي الناس بالإمامة الزيدية وتاريخها السياسي والعسكري الذي لا يحظى بأي تمجيد شعبي، لا سيما بعد قيام الجمهورية في 1962.

وإذا استحضر الحوثيون مناقب وخصال هذا الإمام او ذاك وقاموا بتوظيفها في خطابهم الدعائي، فإن خصومهم سيفعلون العكس في دعايتهم ضدهم، إذ سيبحثون عن معايب ورذائل هذا الإمام أو ذاك ويحملون الحوثيين وزرها بنفس الأسلوب الذي يضيف به هؤلاء ما يعتبرونها مآثر للأئمة وكأنها مآثرهم. وهذا يعني أن سجل الإمامة الأسود يلتحم، في نظر اليمنيين، مع سجل الحوثيين، ويشكلان سجلا واحدا ينوء الحوثيون بحمله.

"الولاية" مفهوم طائفي وسلالي فاقع، وهي تعني عمليا فصل صنعاء عن بقية اليمن.
المواطنون في جغرافيا الشمال وشمال الشمال ينشدون كل ما يعمق الاندماج والتفاعل والانفتاح في إطار اليمن الكبير، بينما فكرة "الولاية" عامل من عوامل العزل والبتر.
صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية وليست ضيعة خاصة بجماعة او طائفة او سلالة.
"الولاية" هي الكنية التي اختارها الحوثيون لمشروع الإمامة والكهنوت.
عناوين الحوثيين وتوجهاتهم الطائفية هي أعظم تحريض يمكن ممارسته ضد المجتمع اليمني في شمال الشمال، لكنه لن يسمح بذلك في اللحظة المناسبة.

كيف لا تخجل وأنت تخاطب "الشعب اليمني" متناسيا أنك مجرد زعيم لجماعة هي امتداد لفكر وآراء والدك -المؤسس الفعلي للجماعة- والذي ألف كتابا يحمل عنوان "الحسام القاضب الخافع لهامات النواصب"، والنواصب طبعاً هم أكثر من ثلاثة أرباع "الشعب اليمني" الذي تتحدث عنه وتستغيثه! 
يستحيل على جماعة هذا فكرها أن تحوز صفة واحدة من صفات الوطنية ومقتضياتها.