أمين الوائلي

أمين الوائلي

تابعنى على

ليس رثاءً ولا بكاءً: إلى علي عبدالله صالح

Monday 24 September 2018 الساعة 09:16 am

جرّبناها مراراً، وفعلناها أكثر من مرة، ومع أكثر من راحل ومترجل.
أن تكتب في رثاء شخص أحببته وعنى لك شيئاً في حياته، أمر عاطفي أنت معني به شخصياً.. بقوة الواجب الذاتي.

إنما، وحتى متأخراً بنحو عام، لا أعرف ما إذا كنت جاهزاً للكتابة عن رحيل علي عبدالله صالح؟ وهو ليس مجرد شخص أحببته وعنى لي شيئاً وفقط. وإن كان الأمر كذلك بالفعل على المستوى الشخصي.

لكنه، وقبل هذا بكثير، كان الرئيس الذي نشأنا على صوته وحضوره وبساطته وغموضه وتلقائيته ودهائه، وانخرطنا تالياً في الاصطفاف معه وقيادته، واقتربنا من شخصه، فصار الأمر عاماً وخاصاً في آنٍ.

ومهما يكن من أمر ليس في همي أبداً ولا أنوي، لا الآن ولا لاحقاً، أن أكتب رثاءً أو أسطرَ مرثية.

كتبنا كثيراً وكثيراً جداً.. جداً.. في ول ومع صالح الرئيس والقائد والإنسان ثم الزعيم. ولم نعبأ ولا مرة واحدة بجميع من كانوا يهزأون ويسخرون في الضفة الأخرى. وإلى اليوم أتمسك بنفس القناعة والموقف. ولو عاد الزمن لعدنا لما فعلنا تماماً.

أما الكتابة عن وفي رحيله فشيئ آخر ليس من السهل الفراغ منه كالفراغ من كتابة مقالة صحفية.

تختلط وتتداخل مشاعر الحزن والحب والألم والإعجاب والصدمة والإجلال والرغبة والرهبة والقهر والفخر، كلها تتزاحم في لحظة واحدة وممتدة إلى اليوم، وتؤجل واجب الكتابة على سبيل الوداع.

لا أتلعثم أبداً أمام كل ما حدث وقِيل وسيقال عنه وعليه ممن ناجزوه الخصومة والأحقاد في حياته، ويتسيدون خرائب ما بعده. وليس هؤلاء ولا نحن من سيكتب التاريخ وإن كنا الشهود ربما.

بلى، أحببناه ونحبه وعلى عهد الوفاء للرئيس الشهيد باقون. والحق أن الخاتمة المهيبة أبلغ من أن يجاريها كلام أو يليق بها رثاء.

يقيني أن أحداً لا يمكنه أن يجاري علي عبدالله صالح وقد تولى بالأصالة عن نفسه كتابة الفصل الأخير والخاتمة المهيبة بتلك الطريقة الملحمية، وخطها بدمه في ناصية المجد والتاريخ. وبجسارة قائد حميري، ملأ الدنيا وشغل الناس عقوداً. هذا ما كتبه صالح بدمه.. وقد كان.

أي رثاء يمكنه أن يسع أو يوازي ويكافئ رثاء وعزاء علي عبدالله صالح لنفسه.. هكذا، وقد خاض الموت إلى الخلود. بكبرياء ابن الأرض والحقل والتربة اليمنية.. وابن فلاح يمني، خاض الموت أولاً إلى رئاسة اليمن الجمهوري. وعاد من موت جمعة مفجري جامع وجمعة وجماعة رجب. واقتحم الموت أخيراً إلى خلود التاريخ.

منح نفسه خاتمة ملحمية تليق بصُناع التاريخ.

ومنحنا، عفاش الحميري، بداية مطرَّزة بدمه وبروحه، في ذمة ورصيد اليمن الجمهوري.

حالفه توفيق ومجد وعناية غالبة ليسطر الخاتمة بملء إرادته وفدائيته وبعبقرية من عقد مع التاريخ صفقة خلود.

وأين بقي في الأرض بطولة ووفاء في لحم ودم كما فعلها وجسّدها عارف عوض الزوكا.

آلمنا وأحزننا ما حدث. ثمة حزن وفاجعة مقيمة عايشناها في كل بيت وحي وشارع. ومنذ عام وغصّة كبيرة تختنق بها الحلوق.

وليس مطلوباً أن ننسى أو نتعافى ونسلو، طالما بقي الحزن طاقة للعزم ووقوداً للبذل ومجالاً لامتحان العزائم وشحذ الهمم نحو التخلص وتخليص اليمن واليمنيين وتاريخهم من أسوأ اللعنات والكوارث التي مرّت بنا وباليمن يوماً على مر التاريخ.

وإلى علي عبدالله صالح: شعب كبير وكثير يقرئك السلام والحب والحزن والوفاء.