حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

عن خاشقجي وثورة قطر والصحافة الأمريكية

Friday 19 October 2018 الساعة 04:24 pm

▪كل المؤشرات تقول إن قطر تحولت إلى منصة انطلاق لأخطر عملية ثورية تهدف لزعزعة وتقويض النظام السعودي. وهي عملية لا يزال قوامها حتى الآن الإعلام والسياسة، ومادتها الرئيسية جماعات الإسلام السياسي السنية. لكن العملية قد لا تستمر طويلا على هذا المنوال، في حدود الإعلام والسياسة الناعمة المعادية، فعلى الأرجح أن ينتقل الصراع إلى مستوى العراك المسلح الذي لن يكون من السهل التكهن بعواقبه ومضاعفاته، لأنه تلقائيا سيلتحم ويتداخل مع شبكة واسعة من الأزمات في منطقة الخليج ومحيطها الإقليمي وفي العالم بأسره.

لاحظوا الدفق الإعلامي المتواصل بخصوص جريمة اختفاء جمال خاشقجي. بقليل من النباهة، يمكن الإحساس بحالة الحبور التي بعثتها هذه الجريمة في نفوس حكام قطر وأجهزة الدعاية التي يمولونها والجمهور المتأثر بخطابها.
ولو كان لـ"قطر" أن تتمنّى، في هذه اللحظات، لتمنّت حتماً وقوع حادثة اختفاء غامضة كل يوم في جميع القنصليات السعودية الواحدة تلو الأخرى، لكي يستمر هذا الزخم الإعلامي المدوّي عالمياً بكامل عنفوانه ضد "الوحش" المجاور الذي تصارعه.

إذا كان هناك ما تخشاه القيادة القطرية في الوقت الحالي، فهو أن تستيقظ وقد انحسرت هذه الموجة الكاسحة، إنها تخشى أن تخبو هذه النار المشتعلة والشافية. بل تريد ألف حادثة مشابهة تنطوي على احتمالات دامية من طراز الحادثة الخاشقجية.

ولقد برهنت هذه الحادثة أن الجاني لم يعد بالضرورة هو المستفيد من جنايته دائماً، وخصوصاً في حقبتنا هذه. في جريمة خاشقجي، يمكن ملاحظة كيف ذهب جُلّ الفائدة إلى قناة الجزيرة والدولة المستضيفة لها. في حين أن مقدار الفوائد، التي حصل عليها الجاني المحتمل من هذه القضية، يساوي صفراً. ناهيك عن أضرار جسيمة يصعب تقدير وزنها.

▪الأغرب من كل شيء هو أن الصحافة الأمريكية تتناول قضية خاشقجي بطريقة فجة وصاخبة، توحي كما لو أن السعودية ولاية أمريكية تعرضت فيها المعايير للانتهاك، وليست دولة مستقلة بعيدة محكومة بنظام حكم ملكي تقليدي وراثي لم يلتزم قط بمبدأ حرية الصحافة ولا بلوائح حقوق الإنسان، وأن هذا هو ما كان عليه الحال طوال العلاقة المديدة مع واشنطن التي لم تشترط لاستمرار هذه العلاقة أي تماثل بين البلدين في القيم والمرجعيات الحاكمة للسياسات وغير ذلك من الأمور.

والملفت أيضاً أن مشاهير وشركات وخبراء اقتصاد وصحافة ومسؤولين أمريكيين، يعلنون مواقف أخلاقية على خلفية جريمة خاشقجي: انسحابات ومقاطعات وتعليق مشاركة... الخ الخ.

ما معنى هذا؟ هل كانت الأخلاق هي التي جذبت هؤلاء إلى السعودية بالذات وليس إلى بلد فقير مثل اليمن؟ إذا كان الأمر كذلك، فالصدمة مبررة ومستساغة، لأن السعودية خرقت ميثاق الصداقة!

الحقيقة أن البغل يعرف أن نقود السعودية هي التي جذبتكم من أول وهلة يا أنبياء الأخلاق!