حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

قضية خاشقجي.. من وجهة نظر أخلاقيتين مختلفتين

Wednesday 24 October 2018 الساعة 03:06 pm

▪قضية خاشقجي، إذا ما وضعت في إطار الأخلاقية السعودية، تصبح ضئيلة الشأن وعادية مفرطة في عاديتها بالقياس إلى مبادئ النظام السياسي الحاكم في السعودية، وثقافته، وأساليبه في التعامل مع المخاطر والتمردات والانشقاقات، التي هي في العرف السعودي "عصيان آثم لولي الأمر". فهو نظام تقليدي نقيض للتعدد في المسائل السياسية الكبرى. نظام ملكي "توحيدي" ذو طبيعة شمولية لا يخجل منها ولا يداريها.

وما كان لقضية كهذه أن تتحول إلى زلزال سياسي وإعلامي دولي في وجه السعودية، إلا لكون العملية تمت بشكل غير متقن وفي المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ. أي أنها لو لم تحدث حيث حدثت، ولا بالكيفية التي حدثت بها، لكان من أيسر الأمور أن يجد لها النظام السعودي -في حال تعذر عليه إخفاءها- ما يبررها وينزع عنها أي مقدرة على تأليب ردود فعل صاخبة ضده. لو أنها حدثت في سجن داخل السعودية، على سبيل المثال، لكان من الممكن التكتم على الحقائق أو تزييفها بسهولة دون أن تتسبب في وضع المملكة موضع المساءلة والاتهام.

الفكرة هي أن هناك فرقا جذريا بين التعامل مع القضية من وجهة نظر أخلاقية النظام السعودي وضرورات أمنه التي تسمح له بملاحقة المنشقين والناشطين الناقدين لسياسة الحكومة، وبين التعامل مع القضية نفسها من وجهة نظر أخلاقية ما يسمى بالعالم المتحضر ومعتنقي الديمقراطية وحقوق الانسان. (رغم أن سجل هذا العالم المتحضر ليس نظيفا كما قد نتخيل. يكفي أن نتذكر كيف افتتح ترامب عهده بعملية انزال في منطقة رداع اليمنية أودت بحياة كل المتواجدين في منزل آل الذهب بما في ذلك الأطفال والنساء. ناهيك عن عمليات مشابهة خارج القانون ومنها الضربة الأمريكية بطائرة بدون طيار التي استهدفت المواطن الأمريكي من أصول يمنية أنور العولقي ومعه نجله الصغير الذي يحمل هو الآخر الجنسية الأمريكية).

كانت الطريقة التي نظرت بها الحكومات والصحافة في الغرب إلى حادثة خاشقجي، الشنيعة على أية حال، تتجاهل هذه المرة حقيقة أن الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي لم تكن أبداً في أساس العلاقة المتينة التي تربط السعودية ودول العالم الذي يوصف ب"المتحضر" وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا.

وكانت سياسات النظام السعودي بالنسبة للضمير الغربي تحظى بوضع استثنائي يشبه الحصانة، حيث تميل المواقف إلى الواقعية البحتة، وذلك نظير ما للمملكة من ثقل اقتصادي أحرزته بفضل النفط على وجه التحديد.

ولم يكن الاعتراف السعودي المتأخر إلا انحناءة قسرية للضجة الدولية، المجلجلة وغير المتوقعة، التي أثارتها واقعة اختفاء وقتل خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر الجاري.

وأما القرارات المصاحبة لهذا الاعتراف، الركيك في حبكته، والذي تأخر عن أوانه أكثر مما يجب، فإنها لم تهدف لإرضاء وإقناع الرأي العام المحلي بل هي أولا: لإعفاء الجمهور السعودي الموالي للحكومة من الحرج الأخلاقي أمام الرأي العام العالمي الذي ظل على مدى 18 يوما، يتناول قضية خاشقجي بكثافة عارمة متسلحا بحجج ومعطيات واسئلة وقرائن لا يملك الجمهور السعودي ما يضاهيها في القوة والإقناع. وثانيا: هي استجابة لضغوط واشنطن، الحليف الرئيسي للرياض. فالرئيس ترامب بحاجة إلى ما يقوله في أمريكا لكي يبرر استمرار العلاقة مع السعودية وعدم الافراط في مؤاخذتها بسبب هذه القضية.

▪بالنسبة لتيار واسع من المنشغلين بقضية خاشقجي، سواء كانوا ناشطين أو مسؤولين أو وسائل إعلام أو حكومات، فإن أي رواية تصدر من السعودية، حول القضية، لا تتضمن الإقرار الصريح بضلوع الأمير محمد بن سلمان في العملية، لن تكون رواية مقبولة على الإطلاق حتى ولو كانت هي الحقيقة ومدعمة بجميع البراهين والإثباتات.

جزء كبير من هذا التيار حددوا سلفا مسؤولية بن سلمان، إما بدافع الخصومة معه غالبا أو بتأثير من الفكرة السائدة عن تهور وطيش هذا الأمير الشاب، وهؤلاء لا يمكن حملهم على الاعتقاد بغير ذلك.

المسألة مسألة تحزب محكومة بجملة حسابات أكثر مما هي محكومة بالرغبة المجردة في الانتصار الأخلاقي للحقيقة. وفي معظم الحالات تلعب السياسة دورا في التظاهر بتصديق شيء أو التظاهر بعدم تصديقه.

وهذا يعني أن الاعتبارات السياسية التي جعلت هذا التيار يعتقد بتورط بن سلمان، هي نفسها التي تجعل تيارا آخر يعتقد ببراءته مهما تكن الحقيقة.