د. أيوب الحمادي

د. أيوب الحمادي

مجتمعنا اليمني يصنع أصناماً تتقن التمثيل!!

Monday 28 January 2019 الساعة 03:49 pm

منذ أيام وهناك رسائل تصل لي وكلها تحمل في داخلها نوعاً من الاحترام والمبالغة بالإعجاب بأيوب الحمادي.

ولذا أجد نفسي غير مرتاح لا سيما لا أجد نفسي إلا شخصا عاديا وليس كما يتصوره البعض، فهناك من ينشر فيديو عني ويقول عالم كبير وآخر أيوب من أفضل العلماء وغيره.

ولكي أكون واضحاً، فقد احتجت 20 سنة من أجل أن أقنع امي وأبي أني مثلي مثل غيري هنا في ألمانيا، ولست أفضل واحد كما يتصورون.. وطبعاً بعد نقاشات لا تكاد تنتهي، وكانوا أكثر مفاجأة عندما أوردت لهم أن هناك الكثير بل الكثير منهم أحسن مني، وحاولت أشرح لهم أن هنا الأفضل هو من يفهم قواعد النظام ويحسن استخدام ذلك في عمله أو حياته.

حاولت أن اقنعهما أنني فقط جزء من كل، أحسن استغلال الوقت وذلك ما تعلمته منهم واحتمال أكون أضعف حلقة في نظامهم.

كانوا طبعا منصدمين ان ابنهما ليس هذاك الذي في مخيلتهم وانه ليس الركيزة التي تعتمد عليه ألمانيا.. كذلك الحال في الحارة والشارع، والمهم أنهم يكونوا صدقوني ولا يفسرون الأمر من باب التواضع.

لا يعجبني ان كثيرا في اليمن يعطي للمغترب المشتت الأفكار بين همومه الشخصية والأسرية وهموم وطنه حجما اكبر من اللازم.

فهذا بورفيسور كبير، وهذا دكتور مهم، وهذا مخترع، وهذا مدير، وهذا سياسي... وغير ذلك، مما نصنع هالة كبيرة نروجها.. فهذا ينفع يكون وزير وهذا رئيس حكومة وهذا رئيس وهذا حكيم وهذا مفكر وهذا محدث وهذا قدوة، نتعب المغترب من أجل أن يواصل التمثيل كما يريد ان يراه الاخرون ويعيش في قلق اتقان التمثيل حتى وإن كان ناجحا فعلا لاسيما والمجتمع سوف يبني هالة أكبر ويلبسوه، وهو عليه أن يتقن التمثيل في الدور الجديد.

فيكون، على سبيل المثال وليس الحصر، طالبا تعبانا وقلقا فنطلق عليه مهندسا لأنه خلص السنة التحضيرية، ويكون طالب طب لم يمسك إبرة والكل يناديه دكتور او يكون طالب دكتوراه قلقا لم ينشر ولا بحث إلا وهو دكتور لنا وإذا فشل يشتري شهادة من الانترنيت ورجع بلده كما يريد الآخر ان يشاهده ويكون دكتورا يبحث عن وظيفة في الغرب أو الشرق لانه لم يجد أحلامه تحت عقود منقطعة ونحن نقول له برفيسور نحتاج تساعدنا.

أو يكون صاحب فرشة او محل متر في مترين مغترب يتحايل على الضرائب حتى يستمر ونحن نقول له رجل اعمال، او يكون صاحب مطعم او بقالة صغيرة ونحن نوصفه رجل اقتصاد وملياردير، وقد يكون لاجئا يعيش مستورا ويقضي وقته بين همومه يرتاح معنا في الفيس بوك ونحن نطلب منه خدمات وينظر لنا ويفسر ويكون سفيرا او موظفا في السفارة لا يعرف لغة البلد ولا يعرف عن البلد الذي يعيش فيه الا معلومات سياحية ونحن نطلب منه يترجم لنا التوجه العام للدولة التي فيها ونطلب التأثير على صناع القرار حيال اليمن.

لم تقف الأمور عند المغترب وانما تمتد إلى كل نواحي حياتنا في الداخل اليمني.

فهذا يكون وزيرا مشكوكا بشهادته، ومن فشله يحدثك بفخر عن برنامج البور بونت، كيف وجدها ويريد يطبقها الان في عرض عمله؟ ونحن نقول هذا اكتشاف وانجاز للوزارة كبير يا دكتور وبذلك يتحجر عمله ووزارته اكثر كونه الاكثر فهما بشهادة الكل ونصنع صنما.

وآخر شاف برنامجا مدبلجا في الاقتصاد فتكلم المصطلحات في برنامج تلفزيوني فنقول انك تنفع تكون قائد التنمية وبذلك يتحجر فكره وفهمه كونه الاكثر فهما بشهادة الكل وصار معنا صنم آخر.. وآخر جلس يحفظ كم ورقة لكي يقولهن امام الاعلام ونحن نطلب منه اخراج البلد إلى الالفية القادمة، وكذلك شيوخ الدين والسفراء والاعلاميين ولكم ان تتخيلوا الامر.

فنحن كمجتمع نصناع اشخاصا غير متزنين لا من ناحية العلم ولا الأخلاق ولا القيم يتحولون مع الوقت لأصنام نتقاتل من أجلها.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر، الإنسان كان شخصا عاديا او سياسيا او عسكريا ينظر للاعجاب كمقياس، وكلما زاد الاعجاب رفع فاتورة الوعود والكذب واستهلاكه للمصطلحات وفي بعض الاحيان يضطر إلى الكذب والمغالاة حتى يصور نفسه فعلا ذلك الشخص إلى ان يصير صنما لنا.

فان كان دكتورا فهو وقتها لكي يظل كبيرا في نظر الناس سوف يصور ذاته عالم زمانه ووصل إلى سدرة المنتهى، وان كان سياسيا فهو سوف يبيع هبله انه مهندس السياسة في المنطقة وهو الذكي الذي عنده علاقات مع الشرق والغرب، وإن كان طبيبا فكل فترة ينزل شهادة بورد مزورة وهكذا.

ايضا يقتلنا كثرة التمثيل في المجالات الانسانية في الخارج والداخل، فهذه مجموعة تكون عندها جمعية خيرية وهذا طيب ولكن مع الهالة التي نصنعها حولهم نجعلهم يصورون جمعيتهم من طرح اسمائها انها فصلت حروبا كونية مثل الحرب العالمية، او طرحت هي الخطة الانمائية للامم المتحدة او تنفق على ثلاث دول.

اخواني.. اخواتي، انا اعرف ان كلامي لا يعجبكم، لكن كونوا على ثقة اننى اكتب هنا لاسرتي الصغيرة قبلكم.

المجمتع في اليمن يدمر بناء شخص متزن عاقل، واعيد واقول بناء اشخاص متزنين عاقلين بصناعة هالات حولهم، يزيد عن ذلك ان يطلب منهم الافتاء في السياسة والاقتصاد والادارة وكل ما يمس الحياة، وكلما استمر المجتمع بنفخ الناس يضطر الكل ان يسوق على محيطهم انهم عباقرة وعلماء ومخترعون وتنويريون وقادة وجهابذة وخبراء في الاقتصاد والسياسية في الشرق الاوسط واحتمال في الغرب ويصفون انفسهم متجاوزين بمخيلتهم الغرب والشرق، وفي الأخير لا تصطدموا عندما تجدون انكم صنعتم أصناما كثيرة يصعب ازاحتها من امامكم. لا تصدموا عندما تدورون على اعمالهم من اجل المجتمع، فلا تجدون الا ما ينفع اهلهم او ما كتبوه هم او اصحابهم عنهم.

والغريب ان البلد يراهن على مثل هذا الدجل وتستمر ويسألونك بعدها، لماذا لم يمش حالهم؟

ومختصر الموضوع قلت وتيرة كتابتي في الفيس بوك كون ذلك يفهم خارج الفكرة ويبني هالة حولي لا اريدها كوني انظر لحالي درويش على باب الله وما عدا ذلك امور خاصة.

اخواني نريد تقاليد جديدة في المجتمع تظهر، فمن هو ناجح فهو ناجح في مجاله وليس بالضرورة لنا مثال وقدوة، ومن هو سياسي لا يجب ان نشكره على ظهور النعمة والاثر في اسرته وانما في المجتمع، وان كان تاجرا مغتربا او في الداخل لا يهمنا ولن نمدح او نوصف كرمه وجوده على اخراجه الزكاة وانما على دعمه للايتام والارامل وتوفير الخدمات والسلع دون استغلال، وان كان دكتورا او بروفيسورا لا يهمنا ذلك ولا يجب ان نمدحه لانه فلتة زمانه او كونه يمنيا منا وانما كيف ينشر علمه وفكره بين الناس ويطور في ذاته في المجتمع، وان كان طبيبا هل خفف الالم وحمی المجتمع عند الاحتياج ام اكتفى ان يضاعف الامر، وان كان وزيرا ما هو الاثر الذي تركه في وزارته للوطن غير تعيين اقاربه فيها وابتعاثهم للمؤتمرات وشرائه شققا في بيروت والقاهرة؟ وان كان عسكريا او قائدا هل كان حاميا للمجتمع يدافع عن القانون ام بلطجيا يمزقه، وان كان ثوريا هل ثار من اجل قيم ام لكي يسرق وينهب ويعيش هو.

الجميع يجب ان يعرف ان كل شيء في النجاح انه نسبي وان الفشل ليس الا محطة في الطريق وليس النهاية وان التجربة لشيئ جديد بعد الفشل هو بداية طريق اخر. كانوا ناجحين او فاشلين في حياتهم الشخصية لا يهمني بقدر ما يهمني الاثر والعطاء الايجابي او الانجاز داخل المجتمع من دون الحاجة للتمثيل، ومن يبحث عن قدوة فلينظر إلى من هم بجانبه وسوف تجد ابا مكافحا دفع كل سنوات عمره لكي تكون انت واقول انت افضل منه، او اما سهرت وتعبت وقلقت لكي تجدك انت كل شيء في عالمها، او اخا لك اغترب فحرق سنوات حياته لكي يحمي كرامة البيت الذي عشت او تعيش فيه من ذل الاحتياج ومن يبحث عن قدوة ينظر إلى مجتمعنا في الداخل اليمني.

وأخيراً، عدم بناء شخص يمني عاقل متزن يسحب المجتمع إلى الكارثة، وانظروا إلى الأصنام التي تتساقط أمامكم بعد أن أهدروا الفرص لنعيش مثل بقية البشر!!

* عالم يمني في الهندسة الكهربائية ونظم المعلومات العصبية في جامعة أتوفون ـ جوريكه الألمانية

- من صفحة الكاتب علی (الفيس بوك)