عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

"وطن" ما بعد مشايخ وناشطات الدفع المسبق.. نكون أو لا نكون!

Saturday 23 February 2019 الساعة 08:16 am

كإحدى علامات بدء الانهيار، تضخم الواقع السياسي اليمني بالعديد من الطفيليات السياسية، على هيئة عائلات نافذة، ومشايخ باسم صانعي ثورة سبتمبر، وشركاء الحكم والسلطة والعلاقات السياسية والاجتماعية المقربة من الأوصياء على الدولة والمجتمع، وكذلك ناشطات تم صنعهن بمزيج بين تناقضات السياسة والتقاء المصالح وافتراقها.

فمثلت هؤلاء الناشطات، أجندة داخلية وخارجية، تستخدم كأدوات للصراع السياسي، وعُمل منهن بعبع وضجيج أكثر من حجمهن، وبالتالي ذاب وانتهى المجتمع المدني الذي تطالب به هذه الناشطات، لأنه لم يكن أكثر من شعارات فارغة، كما انهارت الجمهورية وانهدم الوطن.

توجه المخلصون والصادقون "وقليل معهم" إلى ساحات المعركة الحقيقية للذود عن الوطن في هذه المرحلة الفاصلة، واستغل الانتهازيون الفشل وتعقيدات الصراع وعلاقاتهم المتعددة، للعب على التناقضات، والفرار بأنفسهم والمتاجرة بالقضايا والمآسي كما عملوا سابقاً.

لم تكن الناشطات الحقوقيات أقل فساداً سياسياً من رجال الدين، والمشايخ، والقادة السياسيين، اللائي سعين لمنافستهم وسحب البساط من تحتهم، لتنقلب الناشطة نسخة أكثر سوءاً من رجل الدين والسياسي، فهي تمنح صكوك الوطنية والمدنية، وباتت كقائد عسكري تمتلك الشلل والأتباع والعلاقة بالمليشيات، وكالشيخ القبلي الذي يأتيه الدعم من السلطة أو دولة شقيقة وينفقه في صالح مشاريعه وأتباعه وعلاقاته الاجتماعية وتطلعاته، ولديه ولاء سياسي محدد أو يتقلب حسب تقلبات السياسة والمصالح.

فقد الشيخ سلطته الأخلاقية والاجتماعية التي تجعل منه خبيراً بهموم الشعب وتطلعاته ومعاناته، ويقوم بدور مصلح اجتماعي يحل قضايا المجتمع بعيداً عن ملوثات السياسة.

فالمشايخ استخدمتهم السياسة واستخدموها، كل يخدم مصلحته بعيدا عن اعتبارات وطنية وأخلاقية، فالمشايخ أصبحوا أعضاء في البرلمان غير مدركين مشاكل البلد واحتياجاته التشريعية والقانونية، فهم داخل قاعة المجلس يمارسون نفس منطق الصراع السياسي وانقساماته وحروبه، التي تطورت تعقيداتها عبر مراحل متدرجة حتى وصلنا للانهيار الكامل.

الناشطة التي بشرت بالمجتمع المدني وعصر الحقوق والحريات والتنوير، كانت ممارساتها أكثر تخلفاً، فهي تجمع المال من المنظمات الداعمة وتقوم بالأنشطة الهزيلة لأجل الدعم، بعيداً عن الاعتبارات الوطنية للمراحل والمواقف الحساسة، وبعيداً عن إحداث أي تقدم حقيقي في قضايا الحقوق وحل مآسي المرأة كقضايا ثقافية واجتماعية شائكة ومعقدة، وفق برامج واستراتيجيات حقيقية، ترتكز على الأمانة الأخلاقية والمسؤولية الوطنية والمجتمعية.

بنَت خطتها على نهج المكايدات السياسية وجلب دعم المنظمات المانحة وكسب الجماهير السطحية الغوغائية، والدعايات الإعلامية المبالغة التي تغطي على الفشل والإخفاق بالواقع العملي، وتوظف كل شيء في أتون الصراع السياسي المعقد وترتيب العلاقات مع أطراف سياسية مختلفة داخليا وخارجيا.

المشايخ والناشطات والمسؤولون من هذا النوع.. اليوم في الفنادق والمحافل والمؤتمرات الدولية، يتكلمون عن الحقوق والحريات والسلام وعن الجوع في اليمن ومآسيه.

إنه كلام فارغ المعنى، وشعارات للمزايدة والاستهلاك، تحدث ضجيجاً وتشعل معارك إعلامية وسياسية عبثية، لا جدوى منها.

إنهم يتكلمون عن يمن لا تشبههم ولا يشبهونها، وعن واقع أصبحوا اليوم لا يعرفونه، وعن أخطاء كانوا وما زالوا جزءا أساسيا منها، وعن معارك حقيقية لم يمسهم منها غبار، فهم أبطال مصطنعون لمعارك عبثية هزيلة، يؤدون دور الكومبارس في المشاهد السياسية.

بينما الناشطة الحقيقية التي تقاتل على الواقع تُحبس وتُتهم ويصدر حكم الإعدام بحقها، وكذلك المشايخ والقادة العسكريون الوطنيون يتقدمون الصفوف للقتال.

لا تُبنى الأوطان وتُستعاد بالمزايدين والدجالين ورافعي الشعارات الكاذبة، من يعملون لأجل الدعم والمصالح الشخصية بعيدا عن أي اعتبارات أخلاقية ووطنية حقيقية.

بمسار هكذا، تهدم وتنهار الأوطان، وتكتب نهايات دول وحضارات كان لها تاريخ ومجد عظيم، ذات يوم.

تُعاد الأوطان بالمخلصين والصادقين الذين يتمسكون بالوطن والقيم وهم في عمق المعارك الحقيقية بكل تعقيداتها وصعوبتها، فيزدادون ثباتاً وشموخاً وتواضعاً.

نحن اليوم على مفترق طرق.. إما نكون أو لا نكون. وعلينا أن ننتصر للقيم الوطنية والأخلاقية، والنضالات الوطنية الشريفة والطاهرة، في مواجهة النفاق السياسي والعبث الداخلي والخارجي، حتى تنتهي الطفيليات السياسية، وتتبلور بيئة سياسية صحية جديدة، فنعيد ترميم القيم والأخلاق، وبناء الوطن من جديد على أرضية صلبة، وقيم حقيقية.

ونتمنى أن لا يكون الخيار الآخر، لأنه المصير الأكثر ظلاماً، والأعمق ضياعاً وتشظياً، لأنه يعني بأن تتاح اليوم الفرصة أكثر للانتهازيين والممثلين، ويلتقي النفاق الداخلي بالدولي، ليزداد المشهد تعقيداً، وخلطاً للأوراق بطرق أكثر عبثية، تجرنا إلى نتائج كارثية هي الأسوأ.