حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

"الشرعية".. دعوى معلَّقة في الفراغ!

Tuesday 23 April 2019 الساعة 08:26 pm

من البديهيات التي غابت عن الأذهان هي أن فكرة "الشرعية" ليست شيئاً أزلياً لا يطاله العطب، ولا يدركه الانتهاء. الشرعية ليست من مادة غامضة عصية على القياس والتحديد. فما الذي جعلها تبدو كذلك عندما صار هادي رئيساً؟

شرعية الرئيس هادي أصبحت، مع مرور الوقت، مسألة صعبة الإثبات من الناحية العملية، وخصوصاً بعد فراره إلى عدن ومنها إلى الرياض، لأنه ضعيف على نحو لا ريب فيه، ولأن سلطته التي لم يضطلع بها وهو في قصر الرئاسة بصنعاء، لم يضطلع بها عقب فراره منها.

وهي صعبة الإثبات، لأنها فقدت بالتدريج كل أعمدتها المحسوسة، فإذا هي دعوى معلقة في الفراغ، بلا قاعدة شعبية ولا بنى عسكرية وسياسية تكن لهادي الولاء. لهذا السبب كان من المحال الاعتماد على قضية "الشرعية" لبناء خطاب متين قادر على الحشد والإقناع بالقتال والموت في سبيلها. عوضاً عن ذلك، جرى الاستعانة بقضايا وعناوين كثيرة غير رسمية، ومتباينة من ناحية ما هو وطني منها، وما هو طائفي أو مناطقي أو جهوي، وما هو إقليمي متعلق بالصراع مع إيران.

إضافة إلى أن قضية الشرعية، على صعيد المفهوم، يشوبها الغموض واللبس عندما يتم طرحها على السواد الأعظم من الناس في مجتمعات تقليدية لا تتحلى بالنضج السياسي والحضاري الذي تستطيع بواسطته التمييز بين الأشياء.
وهذا بالضبط ما أكدته التجربة. فما من شخص لديه درجة كافية من النضج المعرفي والوعي السياسي، يمكنه أن يقبل، حتى الآن، النظر إلى الصراع في اليمن من زاوية كونه "شرعية" في مقابل "انقلاب".

المشكلة في اليمن أخطر وأدهى من هذا بكثير. إنها بلوى عظيمة، فاجعة، نكبة مزلزلة. وإذا ما أردت أن تفعل شيئاً في مواجهة أوضاع وتعبيرات الفوضى والانهيار، لن تكون بحاجة لتبرير فعلك بدعوى استعادة "شرعية" مطعون في صلاحيتها بعدد لا نهاية له من الطعون، أقلها أن من يمثل هذه الشرعية كان مشاركاً وبكل الطرق في عمليات إسقاط الدولة، وكان سبباً في التفريط في مكانتها ورمزيتها وصولاً إلى تسليم عاصمتها، فضلاً عن مسلسل من الخروقات والمخالفات الكبرى للمبادئ والقواعد المعيارية التي تأسست عليها الدولة، وتلك القواعد الحاكمة للمسار السياسي الانتقالي.

الفعل، في حالات كهذه، يستمد شرعيته تلقائياً من عدم شرعية الواقع القائم بقوة السلاح.

وحدها القوة السياسية التي لم تشترك في انتهاك القواعد والمبادئ الدستورية ومعايير الشرعية، هي من كانت تملك الحق في أن تسمي جملة ما حدث منذ 2011 بأنه "انقلاب" على النظام وعلى مبدأ الشرعية الدستورية.
وهذا الطرف لم يعد له من وجود!
والتشكيك أو نفي شرعية هادي لا يفيد الحوثي بشيء في الوقت الحالي. كان سيستفيد لو كانت شرعية هادي حقيقة ماثلة على الأرض. أما الآن فهي متكفلة بنفي نفسها بنفسها.
يقول توماس هوبز في "اللفياثان": 
"وأما عن بلوغ السيادة عن طريق التمرد، فمن الجلي أن محاولة فعل ذلك منافية للعقل، لأنها حتى لو تلاها نجاح، إلا أنه نجاح لا يمكن توقعه عقلانياً، بل بالأحرى يمكن توقع نقيضه، ولأن المرء إذا ربح بهذه الطريقة، يعلم الآخرين أن يربحوا بشكل مماثل".