حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

الظاهرة الحوثية نفي لليمن كدولة!

Saturday 07 September 2019 الساعة 09:08 am

▪️الحوثي يقول دائماً إن حربه مع الداخل ومع الخارج هي حرب باسم اليمن كدولة، ضد السعودية كدولة، غير أن العالم يرفض الإقرار للحرب بهذه الصفة ما عدا وسائل الإعلام الناطقة باسم المحور الإقليمي التابع لإيران.

من وجهة نظر الصراع السعودي مع الحوثي، أيهما أفضل للسعودية، أن تعامل الحوثيين معاملة الجماعة المتمردة وتحاربه في اليمن على هذا الأساس من خلال حلفاء محليين مدعومين بغطاء جوي، أم أن تعاملهم معاملتها لدولة معادية، وأن تحارب فيهم بشكل صريح اليمن كدولة ينتحل الحوثي تمثيلها ويقاتل باسمها؟

لو أن السعودية قامت بمحاربة الحوثي بناءً على ما يدعيه بعد سيطرته على صنعاء، أي بموجب مزاعمه عن كونه نظاماً ثورياً يمثل اليمن كل اليمن، أي لو تعاملت معه كعدو من هذا المنطلق، فإن الصراع سيكون صراعاً تقليدياً بين دولتين مثلما كان صراع العراق وإيران في الثمانينات، وسيكون اعترافاً عكسياً من جانب السعودية بنظام الحوثي. وهذا النمط من الصراع له مزاياه وله عيوبه بالتأكيد. بالنسبة للحوثي، لو جرت معاملته كدولة معادية، حرباً وسلماً، فمن المحتمل أنه سيجد نفسه ضعيفاً وخاسراً في معادلة صراع تقليدية مع السعودية القوية بنفوذها واقتصادها بالقياس إلى اليمن، ثم إن قواعد هذا النوع من الصراعات تختلف عن القواعد التي هيأ الحوثي نفسه للتعامل معها.

غير أن الأمور ما كان لها أن تكون هكذا أصلاً، أياً تكن استجابة السعودية للتحدي، لأن الحوثي ليس الخميني، ولا ثورته هي الثورة الإسلامية الإيرانية، ولا اليمن هي إيران من حيث التركيبة الاجتماعية والمذهبية والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد.

▪️لماذا لا يحري التعامل مع أنشطة الحوثي العسكرية كأنشطة معبرة عن اليمن كدولة/ أمة؟

أولاً، لأن الظاهرة الحوثية مثَّلتْ، منذ سيطرتها على صنعاء، حالة نفي قصوى لليمن كدولة لها شخصيتها القانونية أمام العالم. الحوثي هو بيان نعي اليمن السياسي وشاهدة قبره.

وثانياً، لأنه، ولكي يتم احتساب فعل من الأفعال على دولة/ أمة، لا بد أن يكون الفعل صادراً عن جهة سيادية تتمتع بدرجة معينة من الشرعية والسيطرة على كامل أو أغلب أراضي هذه الدولة.

مثلاً، تستطيع كمؤرخ أن تقول: "الغزو العراقي للكويت"، دون أن تجانب الصواب، طالما كان صدام حسين بحكم صفته المعترف بها كرئيس للعراق، يتصرف باسم العراق، وهذا يعني أنه كان حائزاً على صورة من صور الشرعية المتعارف عليها في ذلك الحين، ومن هذا المنطلق تم اعتبار قرار صدام باجتياح الكويت "غزواً عراقياً"، ونحن هنا لا نحتاج إلى نزع الصفة العراقية عن فعل كهذا وإلصاقه بصدام كشخص فنقول مثلاً: "الغزو الصدامي"، أو حتى إلصاقه بحزب البعث الحاكم.

الاعتبارات المتوافرة في المثال العراقي الكويتي، لن نجدها فيما يخص جماعات محلية وبائية سيطرت بالقوة على العواصم والمدن في دول منهارة مثل اليمن وأفغانستان والصومال وعراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، أو حزب الله في لبنان، حتى وإن قامت هذه الجماعات بممارسة بعض وظائف الدولة ورفعت شعارات وطنية، لكنها ليست حائزة على أي مستوى مقبول من الشرعية في الداخل، ولا أي اعتراف من الخارج وفقاً للمعايير المتواضع عليها في العالم.

في مثل هذه الحالة، يصبح من غير الممكن أن تحتسب أنشطة الحوثي الحربية تجاه الداخل والخارج، كأنشطة صادرة عن اليمن كدولة، بل يتم النظر إليها بوصفها أنشطة صادرة عن جماعة مسلحة في اليمن تتنازع الشرعية بالعنف مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومع جماعات مسلحة أخرى.

وإذا كان الحوثي ليس ممثلاً عن اليمن بالنسبة إلى الخارج، فهو أيضاً لن يكون ممثلاً للشمال من اليمن في مقابل جنوبه، لأن الشمال والجنوب فقدا صفتهما الدولية بوحدة 1990.

والحوثي في حربه مع الداخل، ليس ممثلاً للزيدية، كمجتمع وكحيز جغرافي، إلا بالقدر الذي يمكن أن يكون فيه أسامة بن لادن أو خامنئي ممثلين للمجتمعات الإسلامية سنية وشيعية، أو بالقدر الذي يمكن أن يكون فيه عبدربه منصور هادي ممثلاً للشوافع، أو حزب الإصلاح ممثلاً للسنة!

 

فالزيدية والشافعية مذهبان دينيان، وليسا كيانين سياسيين مؤطرين ومحددين إقليمياً مثل الدول. وإلا لكانت اليمن دولتين أحدهما زيدية والثانية شافعية. هذا لم يحدث.

والحوثي أخيراً ليس ممثلاً للهاشميين، كل الهاشميين، مهما كانت أكثرية المستفيدين والمنخرطين في صفوفه هاشميين. الهاشميون ليسوا تماماً فئة مغلقة محصورة ومنظمة هرمياً، ولم نسمع أنهم انتدبوا عنهم الحوثي متحدثاً ورئيساً!