عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

سبتمبر.. الأخطاء الاستراتيجية والنتائج المؤلمة!

Sunday 22 September 2019 الساعة 10:31 am

حين نقوم بالتحليل العميق للمسار السبتمبري نجد العديد من الأخطاء الأساسية التي يعود سببها لتعقيدات البيئة اليمنية على مختلف المستويات: اجتماعياً وعسكرياً وثقافياً. وكيف تشكلت وتعقدت هذه الأخطاء بالمسار السبتمبري بناءً على تكامل التعقيدات بين هذه الثلاثة المستويات حتى أصبحت عقبات كؤوداً في مسار الحركة الوطنية منذ بدايات الانطلاقات الأولى حتى النجاحات العسكرية، التي تلتها انصدامات بالواقع وانقسامات اجتماعية وشعبية وعسكرية، ثم الانقسامات داخل الصف الجمهوري نفسه.

الجمهورية الأولى (الوليدة)

هذه الجمهورية برئاسة السلال عبرت عن النجاح العسكري لسبتمبر، بتوهج الروح الثورية الجمهورية الشابة داخل الضباط الأحرار، بدون أي رؤية لإدارة الدولة سياسياً وعسكرياً. فيما يراعي خصوصيات الواقع اليمني وتفاصيله بعيداً عن محاكاة أي تجارب عربية أخرى لا تقاس عليها تجربتنا. وبهذه الطريقة وضعت أهداف سبتمر وكان الخلل الرئيسي.

جميع الدول العربية شهدت تنظيريات فكرية وسياسية متقدمة، وظهرت كتب وتأليف الرجال الحركة الوطنية تأسست أحزاب حقيقية، فتعمقت العلاقة بين الجيش والشباب الثائر والمنظرين والمثقفين ورجالات النضال والتحرر.

بينما عندنا ظهرت جمعيات وتشكيلات صغيرة وتنظيمات سرية، ولم يُصدر لأحد مثقفي الحركة الوطنية أي تنظير أو رؤية ثورية، فقد كانوا يكتفون بمعارضة الإمام والتحريض والتثوير عليه.

الثقافة ناتجة عن الدين وكذلك الإمامة والحكم، شأن ديني، وكل ما لدينا هي صراعات مذهبية وأفكار تراثية لا علاقة لها بتطورات الحياة.

فحين شهدت مصر دعوة الطهطاوي مواكبة الإسلام للديمقراطيات الفرنسية وحقوق المرأة.. فعندنا ظهر الشوكاني كأكبر اجتهاد يدعو إليه تجاوز المذاهب الأربعة والرجوع إلى الكتاب والسنة.

وبالتالي فإن مثقفي الحركة الوطنية ليس عندهم أي رؤية للدولة والحكم لأنهم أبناء بيئتهم، فلم يقدموا أي عطاء فكري يواكب طموح الثورة الشابة.

وهذا ما أنتج العلاقة المضطربة والمتناقضة بين الضباط الأحرار، وقيادات الحركة الوطنية الذين أصبحوا عبارة عن ثوار تقليديين، من حيث أفكارهم، ومن حيث ارتباطهم بالقوة التقليدية.. لكنهم أيضاً يتمتعون بتجربة واسعة وثرية من الناحية العملية؛ لأنهم كانوا مقربين من الإمام وبنفس الوقت من المواقف المختلفة التي تصارع الإمام والتي كان بعضها كما يقول البردوني في كتابة (اليمن الجمهوري) بأن البعض انضم لمسار الحركة الوطنية وسبتمبر، لأنهم كانوا يخشون على سمعتهم بأن معارضتهم للإمام وصراعهم معه يجعلهم محسوبين على الإدريسي الذي يحتل تهامة، أو على الاستعمار بعدن، أو على ابن سعود، فكثيراً من اتخذ الثورة سبباً لتكون مبرراً وطنياً مقبولاً.

معارضة الجمهورية الأولى

قدمت نفسها قيادات الحركة الوطنية ومثقفيها إلى توجه معارض للسلال. وكان على رأسهم: النعمان، والزببري، والإرياني، وإلى جوارهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.

نقاط قوة الجمهورية الأولى: روح المغامرة الجريئة والاندفاع والاستبسال الثوري بكل صدق، الذي لا يخلو من أخطاء وتطرفات، قيل بأن السلال ذات مرة تلقى تحذيراً للاحتياط لنفسه في إحدى سفرياته قال المهم انتبهوا على الجمهورية.

وأهم نقط ضعف هذه الجمهورية الأولى هو عدم امتلاكها رؤية وطنية ولا مقدرة عالية للتعامل مع الملفات والقضايا، وبالتالي ظلت معتمدة كلياً على الأشقاء المصريين.

الجمهورية الثانية (جمهورية الحكم الجماعي)

قامت المعارضة بالانقلاب على السلال وجاءت الجمهورية الثانية برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني.

وفي حقيقة الواقع فإن الجمهورية الثانية ليست معارضة الجمهورية الأولى وحسب، فهي معارضة للعديد من التوجهات، وتجربتها بالمعارضة قد تطورت منذ مسار طويل منذ بدايات معارضتها للإمام، كما جعل هذا التناقضات أحد خصائصها، كما أن وصول المعارض للسلطة بعد مسار طويل يصبح سلطوياً أكثر ممن عارضهم.

فهي كذلك تعارض التواجد المصري كما تعارض اليسار الذي كان يقف مع الضباط الأحرار باستثناء البعث لأنه كان يتفق معها على معارضة التدخل المصري.

وبالتالي فقد انصدمت مع قوى وطنية مختلفة، ورغم أن خبرتها وتجربتها مكنها من إدارة الملفات المعقدة بنوع من الاتزان والمقدرة.

إلا أن طبيعة أدئها العام لا يمثل أي تطور للمسار الثوري والجمهوري، فكانت عبارة عن هجين بين طريقة الإمام والجمهورية الأولى بكل مواقفها العامة. وهذا التناقض والشكلية في طريقتها وأدئها أنتج أمراً إيجابياً واحداً هو ولادة حركة التصحيح ولادة ناضجة.
...يتبع