نبيل الصوفي

نبيل الصوفي

تابعنى على

الشمال والجنوب وبينهما الإمارات.. هزلية صراع “الأعلام”

Wednesday 25 September 2019 الساعة 07:40 pm

 

كنت في صنعاء، وحين رُفع علم الإمارات فوق سد مأرب، كتبت عن “الاحتلال” و“العدوان”..

جنوباً كان العَلم الإماراتي يرفرف فوق كل منطقة تتحرّر من “الحوثي”، ومعه العَلم الجنوبي.. فكنت أكتب عن "الاحتلال" وأتجنب الحديث عن العَلم الجنوبي، كأني لا أراه.

حينما وصل رئيس وزراء التحرير، خالد بحاح، إلى باب المندب، كان يرافقه العلم الجنوبي، حيث كل القوات على الأرض هي من الجنوب، فقوات الشرعية هي مجرد جيش وهمي لا وجود له في كل أرض اليمن، وكل التحرير يتم بقوات محلية تنتمي للمناطق من مأرب وحتى باب المندب.. فتمنيت يومها أنَّ العلم المرفوع هو علم الإمارات، تحت مشاعر القلق من الانتصار بالراية الجنوبية غرباً داخل أرض الشمال، فالوحدوية عندنا هي أن يحكم الشمال الجنوب، أما أن يحكم الجنوب الشمال فهي، إذاً، احتلال.

دارت الأيام، وطُردت أنا وعلمي من صنعاء ككل من وَالَى الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح، وتمسك بأنَّ صنعاء يمنية وليست ملكاً للحوثي، وبدأت صراعاً مختلفاً مع الرموز، محملاً بإرث يستهل ابتزاز بعضه بعضاً..

حيث يرتفع علم الجمهورية اليمنية في مأرب، تعرَّض كل من تحرك إليها من صنعاء لابتزاز أو للسجن، وإما الظهور كخروف العيد معلناً توبته وتأييده للخطيئة الأساسية التي يسمونها “الشرعية”.. وصنعاء ومأرب، أصلاً يرفعان ذات العلم.. ذات العلم كان يرفعه المؤتمر والحوثي.. لكنه لم يجدِ شيئاً.. “الأعلام” مجرد شعار على واقع، إن غاب ذلك الواقع يصبح الشعار “مجرد مقتنيات ميت للذكرى”..

خرجتُ من صنعاء إلى “عدن” حيث تعجز حكومة “ابن دغر” أن تصل لتسوية بشأن “علم الدولة”..

بعد تحرير “عدن” استوعبت التعيينات قيادات “الحراك الجنوبي” الأكثر تشدداً متمثلاً في “عيدروس الزبيدي”، و“ناصر الخبجي” وعدد من القيادات في مناصب وزراء ومحافظين، وأدت تلك التعيينات إلى تسوية عميقة بين الأعلام، فقد كان يتجاور علم دولة “صنعاء” مع علم “الجنوب” داخل المقار الرسمية وفي الشوارع.. وفجأة أصدرت الشرعية قرارات هي الأسوأ في تاريخها بعد الهروب من صنعاء وأقصت كل رموز الحراك، رغم أنهم هم من قاتلوا، فيما كانت هي قد هربت إلى فنادق الشتات تاركة عدن للحوثي، كما تركت من قبلها صنعاء.

أزَّم ذلك الأمور، وعاد الصراع.. والحكومة التي رفضت الجنوب عَلَماً، ولا تقدم أي خدمات له، تريد فرض عَلَمها الذي تعيش دولته الصراع مع الجنوب منذ 94، وحتى الحوثي حارب الجنوب تحت ذات العلم.

حين تحركتُ في طول الجنوب، لم أجد علم “دولة صنعاء” إلا حيث كانت هناك لوحات للمشاريع الإماراتية، مجاورة لعلم الدولة الإماراتية التي يكن لها الجنوب تقديراً عالياً، لذا يترك لأجلها علم الدولة التي يخوض معها الحرب بكل وجوهها، إخواناً ومؤتمراً وحوثياً..

ويدرك إخوان الشرعية وشرعية الإخوان، أنَّ علم الإمارات يمنح علم دولتهم المنهارة وجوداً بجوار العلم الجنوبي، ويقيد الاندفاعة الجنوبية تجاه كل ما يرمز للشرعية التي هي أكثر عدوانية ضدهم من عدوانيتها ضد الحوثي.

وفي الساحل الغربي، رأيت علم الجمهورية اليمنية مرفرفاً في أحد معسكرات حراس الجمهورية، وقريب منه علم الجنوب في أحد معسكرات القوات الجنوبية.. فقلت لقيادات المعسكرين: إن كان الهدف التسابق في مواجهة الحوثي، فالعلم الذي سيتقدم سيكون الناس معه، وإن كان القصد مماحكات بيننا، فإذاً كل هذه الأعلام هي أصلاً بمال التحالف وحمايته، ولن يسمح التحالف لأحدنا بسحق الآخر، فالحوثي قد سحق الجميع.. ليس لنا إلا أن نتعاون على سحق الحوثي، والجلوس على كرسي الحوار لنرى ما نحتاجه وما نقدر عليه في خدمة أنفسنا وبلدنا ومنطقتنا كلها..

تذكروا الهدف، ودعكم من الصراع حول الهامش.. حرروا صنعاء واجلسوا بعدها للنقاش حول الخيارات والأعلام.. أما اليوم فلا قيمة لكل ذلك.

وكلما هدأت الصراعات حول الأعلام، دخلت الشرعية وجمهورها الإخواني النشيط في الفراغ، تستثير المعارك ضد العلم الضامن.. علم الإمارات، فيما يمكنها أن تستخدم هذا العلم لتعميق التسويات في الجبهة الواحدة..

يتحدثون عن السيادة والاستقلال والوطنية، وهم يدركون أنه لولا التحالف، لاشتعلت الجبهات بين الجميع.. وكان المستفيد الوحيد هو الفراغ والفوضى في كل اليمن.

يدعي الوحدويون أنهم يخافون على مشاعر الشعب الوحدوي شمالاً.. إن تعاملوا باحترام مع “العلم الجنوبي”، وهذا إسفاف في التفكير يضاعف مشاعر الاحتقان الجنوبي من الشمال.. الجنوب محتقن من الشمال وليس من الوحدة، ولا يقبل الجنوب بأي حديث عن الوحدة يأتي من قبل قوى شمالية.. ليس لأن الشمال احتل الجنوب في 94 كما يقول الجنوبيون، بل لأن الشمال اليوم مع الحوثي والوحدويين هربوا وانفصلوا عن هذا الشمال وأصبحوا مجرد نازحين جنوباً.. وإذاً فأنت بين واجبين: واجب مرعاة المشاعر الجنوبية والاعتراف بها عقلياً، وليس الأمر خداعاً طفولياً.. أما الواجب الثاني فهو الكف عن استقطاب الشمال جنوباً.. لأنّ هذا ليس وحدوية بل انفصالاً يترك الشمال للحوثي، ويبقي الشمال مشغولاً بالجنوب.

إنَّ “الوحدوية” شمالاً تقتضي مصارحة الشمال بأنَّ التمسك بالحوثي يسقط أي خطاب وحدوي، وأنَّ الطريق الوحيد لأي تسوية مع الجنوب وحدوياً بضمانة التحالف العربي تأتي عبر التركيز الكلي على الشمال وبالتمسك بالتحالف.

استعادة الشمال أولاً، هي القضية.. هي الوحدة.. هي الاستقلال.. هي السيادة.. بدون ذلك فلن تبقى أي من هذا الشعارات وأعلامها..

وسيقبل الجنوبي علم دولة صنعاء حين لا يكون لمن يرفع هذا العلم مشاريع إقصاء وعدوانية ضده، وستختفي نزعة ارفع علمي.. لا نكس علمك.

وليرفع الوحدوي، علم الجنوب إلى جانب علمه، في جبهاته كلها.. فالمعركة وحَّدَتنا شمالاً وجنوباً ضد الحوثي.. بضمانة الأشقاء في التحالف سعودياً وإماراتياً..

معالجة المشكلات لا استثمارها..