د. شادي صالح باصرة

د. شادي صالح باصرة

تابعنى على

المؤتمر الشعبي العام مفتاح الحل المهمَل في اليمن

Sunday 15 December 2019 الساعة 08:54 pm

من خلال حواراتي مع أعضاء وقيادات الأحزاب السياسية المختلفة وخصوصا التجمع اليمني للإصلاح، دائما ما نتوصل لنتيجة مفادها أن غياب المؤتمر اثقل من عبء الإصلاح على المستوى السياسي، وخصوصا وأن الكثير من دول الإقليم والعالم تتوجس من التعامل مع الإصلاح بسبب خلفيته الدينية وهو ما دفعه لإجراء خطوات كثيرة مؤخراً، ولعل أهمها انفصاله التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين.

وبقدر حرص الإصلاح على بقاء المؤتمر كمنافس له في الساحة السياسية، ما زال يتوجس من دعمة ولا يريد له التعافي التام، فقد كان المؤتمر العائق امام محاولات الإصلاح الدؤوبة للوصول للسلطة منذ نشأته في 1990، وبكل تأكيد ان عودة المؤتمر ستشكل خطرا سياسيا ليس على الإصلاح وحسب ولكن على معظم الأحزاب اليمنية وخصوصا انه الحزب الوحيد الذي عرف عنه الوسطية ولم يُصدر لليمن من الخارج. فالمؤتمر هو احد الأحزاب القليلة المتواجدة في كل اليمن، ورغم تضاؤل مؤيديه في الجنوب منذ 2007 بسبب بزوغ الحراك الجنوبي، ولكنه ما زال يحظى بحضور قوي في تكتلات جنوبية مهمة ومنها المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع ومجلس الحراك الثوري، بل وتتباهى تلك التكتلات بعضوية قيادات مؤتمرية معروفة لديها لإثبات حاضنتها المتنوعة وقبولها بالآخر، بل ولا أبالغ لو قلت إن المؤتمر هو العنصر المشترك الوحيد بين كل التكتلات اليمنية والجنوبية باختلاف أهدافها وأبجدياتها!

تكمن مشكلة المؤتمر في انقسامه الكبير بعد مارس 2015 إبان عملية عاصفة الحزم بين المؤتمريين الذين انضموا لشرعية الرئيس هادي والمؤتمريين الذين فضلوا البقاء في صنعاء وعارضوا تدخل التحالف في حل الأزمة اليمنية. وقد ضاعف هذا الانقسام عملية الاغتيال السياسي التي نفذتها جماعة الحوثي ضد قيادة المؤتمر العليا في 4 ديسمبر 2017 ممثلة بالرئيس السابق صالح وأمينه العام عارف الزوكا وكثير من قياداته (رحمهم الله). وعلى الرغم من أن موت صالح أدى لصدع كبير في المؤتمر، لكن هذا الصدع كاد ليتضاعف مئات المرات لو تمت عملية الاغتيال قبل أن يطلق صالح ما عرف بوصاياه الأخيرة والتي دعت إلى الحفاظ على الجمهورية والدستور والوحدة وعدم التعامل مع حلفائه في حركة أنصار الله. قتل صالح وامينه العام وهما داخل اليمن ولم يخرجا منها كما وعدا منذ بداية الأزمة، وأدت هذه الوصايا لرأب الصدع الأكبر بين أنصاره وأنصار الرئيس هادي والتي برزت بنعي الرئاسة لصالح ولأمينه العام ومن ثم بادر التحالف بتجهيز طارق بجيش لقيادة جبهة الساحل والتي شكلت الكثير من الضغط على الحوثيين على المستوى العسكري.

لا يختلف اثنان على أن عودة تفعيل المؤتمر الشعبي العام امر مهم ليس فقط لإثراء العملية السياسية في اليمن، بل للحفاظ عليها من الاندثار.

واضح أن الخلاف الحاصل اليوم بين المؤتمريين ينحصر في اتجاهيين وهما: إنشاء مؤتمر جديد من الصفر أو المضي بنفس المؤتمر الذي كان يجسده صالح بما امتلكه من كاريزما قوية وحضور كبير ساهم فيه بقاء الحزب في الحكم لأكثر من 3 عقود.

أعتقد أن للمؤتمر تاريخا لا يمكن طمسه، وأن الرئيس الراحل ترك ارثا كبيرا من الصعب تجاهله بسلبياته وايجابياته، وان خلق مؤتمر جديد هو عملية تغطية فاشلة لصورة المؤتمر المتجذرة في أذهان اليمنيين. لكني أيضا مؤمن ان المؤتمر يجب ان يمضي بخطى ثابتة للمستقبل من خلال اعترافه بأخطائه، وباستلهام وصايا مؤسسه، وأن يتحول إلى حزب مؤسسي فاعل بقياداته وأفراده بعيدا عن السلطة وجراحات الماضي. ولعل محنة الانقسام وعدم تمكن المؤتمر من الحكم الآن يساعد الحزب على مراجعة ابجدياته كحزب سياسي يستطيع أن يكون الأول في كراسي المعارضة أو السلطة. فلا يمكن لمؤتمري عاقل أن يتجاهل هذا الإرث والشعبية التي تركها صالح بين أنصاره إلى يومنا هذا حتى بعد موته قبل عامين!

يتوجب على الأحزاب السياسية الفاعلة اليوم دعم المؤتمر بكل قوة ليعيد المؤتمر قوامه الداخلي، ليس بتفريخ مؤتمر جديد وهي محاولات تستنزف الكثير من الوقت والمال، ودائما ما تفشل ونتائجها تكون وخيمة. وكما يقول المثل الإنجليزي (لا داعي لإعادة اختراع العجلة!). فقد مورس التفريخ على الحراك الجنوبي وشارك في عملية التفريخ كل الأحزاب ومنها المؤتمر نفسه، لكن ماذا كانت النتيجة وأين هي تلك الفراخ! انصهر جميعها ولم تبق سوى تلك المكونات التي تعبر حقيقة عن المزاج الجنوبي وأبرزها المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع ومجلس الحراك الثوري، وبوجود هذه المكونات ستعزز أي عملية سلام في الجنوب لما تمثله لشريحة كبيرة في المحافظات الجنوبية.

لقد خسر التحالف صالح كأحد أدوات حل الصراع، ولا يجب تكرار تلك الخسارة بتجاهل المؤتمر الذي يمثل أحد المفاتيح الرئيسية لحل الصراع ولضمان سلام طويل الأمد في اليمن، هذا إن لم يكن هو الوحيد القادر على هذه المهمة.

قد يتبدى للبعض أن فرص عودة المؤتمر على الساحة ضئيلة دون تحقيقه لنصر عسكري على الأرض، وهذا صحيح، ولكن إذا تمت عملية السلام في اليمن، يتوقع اندثار تكتلات وقوى تفوقت في المجال العسكري لكنها لم تخبر العمل السياسي والمؤسسي، وحينها لن يصمد غير الأحزاب العريقة وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام.

ندعو المملكة والمبعوث الأممي إلى تبني حوار مؤتمري مؤتمري، يجمع بين كل القيادات في الداخل والخارج، والذي يهدف من خلاله لوحدة الصف، والمساهمة لإعادة دور المؤتمر الحزبي والمؤسسي ليكون قادرا على التعامل مع المرحلة القادمة باقتدار بعد اتفاق السلام الذي ينتظره كل اليمنيين. وأتمنى من كل الأحزاب اليمنية وخصوصا المؤثرة على القرار السياسي في اليمن دعم هذه التوجهات إلى أن يستعيد اليمن أرضه وأمنه وحينها فسيكون هناك مجال للتذاكي والحيذقة من أجل السلطة من خلال المسار الدستوري والديمقراطي داخل الجمهورية اليمنية.

للأسف، كل الاقتراحات أعلاه لا يمكن أن تتم دون أن يترفع المؤتمريون أنفسهم عن جراحهم، ويتفهم بعضهم البعض لضغوط الداخل والخارج التي تمارس على قياداته في كل مكان. فإذا لم يستطع قيادة المؤتمر لملمة أنفسهم، فلا يمكنهم أن يحدثونا عن استعادة مشروع الدولة في اليمن المقسم والمثخن بالجراح.