حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

في اليوم العالمي للغة العربية... حقائق وأساطير

Wednesday 18 December 2019 الساعة 08:17 pm

علاقة العربي بلغته عاطفية. اللغة العربية ليست لغة فقط.. العربية بالنسبة للعربي هي لغة وعرقية. مثلما اليهودية بالنسبة لليهودي ديانة وعرقية. فالعربي هو الناطق باللغة العربية بغض النظر عن خلفيته العرقية.

إن العرق العربي لا وجود له خارج الجزيرة العربية والحجاز، وقد تكفلت سياسة التعريب التي تلت الفتوحات الإسلامية بتعريب الشعوب المفتوحة في الشام ومصر وشمال غرب إفريقيا.

العربية ليست لغة الأرض فقط إنها لغة السماء كما تقول الميثولوجيا اللغوية السائدة. لغة أهل الجنة. كل سكان الجنة من كل الشعوب سيهجرون لغاتهم الأرضية وسيتكلمون العربية في الآخرة. بأي لسان أو لهجة سيتكلمونها؟ هل سيتكلمون الفصحى الكلاسيكية أم الفصحي الحديثة المبسطة؟ هل سيلتزمون بقواعد النحو الكوفي أم البصري أم النحو الساكن؟ ليس هذا ما يهم العربي معرفته اليوم.

العربية لغة جميلة، ايقاعية، أدبية وشعرية من أعلى طراز. كتب الله القرآن بالعربية قبل خلق العالم. إن كلام الله وذاته لا ينفصلان في العقيدة الرسمية. وعندما كتب الله القرآن بالعربية في اللوح المحفوظ، حسب المرويات، فإنه كتبها بالعربية. ولأن صفات الله لا يمكن أن تتأخر عن ذاته فإن الله والعربية وجدا معا منذ الأزل. ولأن صفات الله لا تنفصل عن ذاته وكلام الله عين ذاته، كما قال العقائديون المسيطرون، فإن العربية صفة من صفات الله، وعين من أعيان ذاته معا!!

يرى العربي أن العربية لغة العرب فقط. لا يستطيع غير العربي ان يتقنها مهما حاول. وهو بهذا يتجاهل أن العلماء المؤسسين لعلوم اللغة العربية كانوا من غير العرب من ابن سيبوية إلى ابن جني إلى الزمخشري والجرجاني والفيروزبادي.

غير العرب هم "أعاجم" حسب التعريف التقليدي. فاللغة عند العربي هي العربية فقط، أما غيرها من اللغات فليست إلا أصواتاً. إن "الاعاجم" عند العربي ليسوا غير العرب فقط، فالحيوانات أيضا يطلق عليها الاعاجم.

العربية هي الرافعة النرجسية للعربي التي تجعله يرى نفسه العرق الانقى وشعب الله المختار. والاعجمي هو الذي لا يفصح، والفصاحة عند العربي هي للعربية فقط وبالعربية فقط ولا وجود لفصاحة خارجها.

يقول علم اللغة إن العربية فرع من اللغات السامية يعود تاريخها إلى 500 سنة بعد الميلاد كحد أقصى، وإنها كانت فروعا متعددة بعضها انقرض وبعضها استمر. لكن هذه الحقيقة العلمية غير مقبولة عند العربي. فاللغة العربية عنده هي اللغة التي تحدث بها آدم وحواء في الجنة. بها غازل آدم حواء، وبها أغواهما الشيطان، وبها ارتكبا الخطيئة الأولى!

تعرض كتاب لويس عوض "مقدمة في فقه اللغة العربية" للمحاكمة والمصادرة والتكفيرلأنه تجرأ وقال إن اللغة العربية لغة بشرية، وحدد بداية نشوئها وتركيباتها الصوتية وانحدارها من اللغة السامية الأم.

كان كتاب لويس عوض صدمة للميثولوجيا والثيولوجيا العربية حول اللغة. اشبه بصدمة كوبرنيكوس الذي قال إن الأرض ليست مركز الكون واننا على هامش الكون.

يتفاخر العربي بلغته وله كل الحق أن يتفاخر بلغة كانت لغة الحضارة والعلم يوما ما. لكنه يتفاخر بها في غير موضع التفاخر.

إنه يتفاخر أنها لغة ثابتة لم تتطور مثل غيرها من اللغات. وهذا ليس محلا للتفاخر لأنه يعني انها تخلفت عن عصرها وتجمدت.

انه يتفاخر انها لغة العرب فقط وأن "التنقيط" تم اختراعه للعجم مع أن هذا غير صحيح. تم اختراع التنقيط لأن الكلمات كانت تختلط والمعنى يضيع ويتم قراءة الكلمة بمعان مختلفة. وكان التنقيط مرحلة مهمة في مسيرة اللغة العربية من لغة غير منضبطة الى لغة اكثر انضباطا. ولولا التنقيط لعجز العرب عن قراءة وفهم اغلب النصوص بما فيها نصوص الحديث والقرآن.

كما ان الادعاء ان العربية لا يتقنها الا العربي يعني انها لغة محلية محدودة الافق الثقافي والمعرفي مثلها مثل بعض اللغات البدائية للقبائل المعزولة في الغابات. وفي هذا انتقاص من اهميتها.

ويتفاخرون بأن اللغة العربية تملك أكبر عدد من المترادفات للكلمة الواحدة فيدعون أن في العربية أكثر من 500 اسم للأسد، و300 اسم للكلب وهكذا. وهذا غير صحيح اولا وليس محلا للتفاخر ثانيا، لأن الافراط في المفردات يؤدي الى ضياع المعنى وانفلات اللغة فمن العبث ان يكون هناك 500 اسم لحيوان واحد فهذا اقرب الى غياب المعنى وغياب التحديد.

تخلق الاسطورة مروياتها الداعمة حتى ولو كانت كاذبة.

من اكثر اكاذيب الفخر رواجا ان في اللغة العربية 12 مليون كلمة وبالتالي تعتبر اللغة الاولى في العالم في عدد الكلمات وهذا غير صحيح. فاللغة الأولى في عدد الكلمات الحية هي الانجليزية بثلاثمائة الف كلمة.

واقصد بالكلمات الحية هنا الكلمات التي لا زال لها استخدام وضرورة في عصرنا. أما لو اضفنا الكلمات الحية والميتة معا فالكورية ستكون اكبر لغة في العالم بحوالي مليون مفردة.

واكبر قاموس عربي يحتوي على 80 الف مادة لغوية بما فيها المترادفات والتكرار. لكن العربي الفخور لم يتوقف هنا. ادخل الى موقع Qoura ، اشهر موقع للاسئلة والاجوبة في العالم، وستجد عربيا فخوار آخر قد اصاف مادة يقول فيها ان اللغة العربية تحتوي على 500 مليون مفردة.

أليست لغة الله ولغة آدم ولغة القران؟ الا تستحق ان يكون فيها 500 مليون مفردة لم يسمع عنها او يقرأها أو ينطقها أحد.

لكن الأهم من ذلك ان رقي اللغة لا يقاس بعدد الكلمات بل باستجابتها لمتطلبات العصر صرفا ونحوا ومفردات. واللغة العربية اليوم تكافح لكي تستوعب المفردات الجديدة في العلوم والسياسة والسسيولوجيا.

إن أكبر حلم سياسي حديث (حلم الوحدة العربية) كان حلما لغويا. تحقيق الوحدة العربية بين 22 دولة لا يجمع بينها الا اللسان العربي بينما تختلف ثقافيا وسياسيا واقتصاديا حتى النقيض. ان اللغة اداة السحر. واللغة العربية كانت أداة العربي السحرية لامتلاك العالم وتحقيق المستحيل.

في اليوم العالمي للغة العربية يحق للعربي ان يفتخر وان يوسع ميثولوجيا اللغة الأعظم بالمزيد من المرويات المرسلة. انها رغم كل الصعوبات لغة جميلة. ولولا جمالها لما استطعت كتابة هذه السطور.

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك