محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

"مأرب".. صوت صفير البلبلِ

Wednesday 01 January 2020 الساعة 09:05 am

هي مأرب التاريخ الذي يسافر عبر الأجيال إلى قيام الساعة، محفوظة بالذكر الحكيم، والدلالة التي من خلالها تغيرت مسارات الحضارات والأديان، والجنة التي أتعبت أجدادنا من الكسل، والسد الذي أغرق العرب وبقي بركة صغيرة حتى امتدت إليه يد الشيخ زايد آل نهيان وأعادته سداً يفيض بالماء يحيي الأرض بعد الموات.

 لا يمكن الاسترسال في تاريخ مأرب وقبائلها في هذه المقالة، لكن الأمر الذي يدعو إلى إعادة توجيهه والتنبه إلى مساره الذي يخطو في هذه الحرب، ولما لمأرب من دور كبير في رسم الملامح الضبابية التي وصلت إليها الحرب في اليمن منذ خمس سنوات.

 استيطان جماعة الإخوان من قيادات الدرجة الثالثة مع عوائلهم في مأرب ليس صدفة أو أمرا واقعا فرضته الحرب وما أنتجته من نزوح لكثير من اليمنيين من المدن والقرى إلى مناطق متعددة، بل الخطة متقنة برسمها وهدفها، ومعللة بوجود الأمن والاستقرار على غير بقية المدن.

 لكن الأمر أعمق وأبعد مما يتصوره الناس العاديون، ولو وضعنا أسئلة ليست مفاجئة، بل هي معتادة وموجودة في الفكرة العميقة لكل الناس في مأرب وغيرها.. لماذا لا تتواجد عوائل القيادات الإخوانية من الدرجة الأولى والثانية في مأرب؟! والتي فضلت الهجرة والإقامة في الرياض وتركيا وقطر وأوروبا!! ورفضت القيادات العودة للقتال أو على الأقل البقاء في مأرب لإدارة المعركة.. إن كانوا فعلاً صادقين.

 دعونا نتحدث عن مأرب التي أصبحت مركزاً لإدارة معارك جماعة الإخوان المسلمين، وكيف تعمل هذه المدينة على بعث الجماعة وإمدادهم بالأموال اللازمة خارج إطار التحالف العربي، لأن الأهداف تختلف والتوجهات تختلف بين التحالف والإخوان، وكذلك تختلف أهداف الأطراف المقاومة للمشروع الحوثي الإمامي وأهداف الإخوان، لقد تميزت هذه الجماعة بالاختلاف السالب الذي ينحر اليمنيين.  

 اتخذت جماعة الإخوان مأرب لتمركزها وانطلاق عناصرها، لأنها مصدر الطاقة والنفط الذي يغذي بقية المناطق وخاصة مادة الغاز المنزلي، لأن مأرب هي العوائد المالية الباهظة التي يدفعها اليمنيون في شراء الغاز، والعوائد المالية التي يقبضها الإخوان في بيع النفط عبر شبوة للإسواق الخارجية.

 هي المخزون المالي الرافد الأساسي لعملياتهم وحروبهم في الجنوب، ولو كانت معاركهم موجهة ضد الحوثيين لكان نهبهم لثروة مأرب مبررا إيجابيا يمكن للناس أن يبتلعوه، لكن الأمر خارج إطار الهدف الوطني، والتحرير الذي انتظره اليمنيون طويلاً.

 جماعة الإخوان تدرك جيداً أن هناك يوماً سيأتي يكتشف فيه التحالف العربي الأهداف الخفية لها والتي تسعى لتحقيقها عبر غطاء الشرعية وأموال السعودية، فيقطع التحالف عنها الدعم المادي محاولاً إعاقتها في تنفيذ خطتها الإرهابية في الجنوب والشمال، لكنها قد تدبرت أمرها وجعلت مأرب هي الجنة الموعودة لها ولعناصرها ترفدهم بالأموال الطائلة من عائدات الغاز والنفط، وبسلاح التحالف الذي تكدسه.

 ليس الأمر يمكن أن يحدث مستقبلاً، إننا نعيش وقائع مأرب اليومية التي يمكن القول عنها منفصلة عن إطار الشرعية، حيث إن عناصر جماعة الإخوان لا تزال تغادر مأرب مدججة بسلاح التحالف في اتجاه الجنوب، ولا تزال أموال مأرب تحتجب عن البنك المركزي في عدن، ولا تزال مأرب تضخ في الحوثيين دماء الحياة من أجل البقاء.

 ليس كل من في مأرب يتبع جماعة الإخوان ولا نتحدث عن المواطنين والعوائل التي نزحت إليها، سواء كانت لقيادات الإخوان أو عوائل أخرى من مناطق مختلفه، ولا يمكننا أن نعطي توصيفات أو أساليب تنمط المجتمع بتنميط سياسي معين، لأننا نؤمن بأن البلاد كلها لكل يمني أينما حل ورتحل، لكننا في صدد الاستغلال الإخواني في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها اليمن، والتي نتائجها ستكون مدمرة للجميع.

 ليس كل من نزح إلى مأرب يتبع الإخوان، هناك الكثير ممن يعارضون الإخوان ويقاومون الحوثي، لكنهم معرضون للسجن وللمضايقات والممارسات التشويهية التي تقوم بها سلطات مأرب الإخوانية، والمتناغمة تماماً مع خطط الحوثي وتوجهاته وخاصة فيما يتعلق بمأرب وتجارة الغاز والنفط.

 لقد أخطأ التحالف العربي وهو يستمع للإخوان يقرأون قصيدة "صوت صفير البلبل" وظن أنه عاجز عن حفظها فما كان منه إلا أن منح الجماعة مدينة مأرب جائزة لم يكن يعرف قدرها وقيمتها مستقبلاً، حيث اليوم نشهد كيف الجنوب يعاني من مأرب وتعز والحديدة أيضاً، في الوقت الذي كان يجب أن تكون مأرب متجهة نحو صنعاء لا غيرها.