عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

تركيا وأزمة "بياع البطيخ" الذي كان "الإرهابي" معلمه!

Friday 03 January 2020 الساعة 02:15 pm

 تعيش تركيا أزمة حقيقية، تسمى أزمة أردوغان، وفي الواقع فهي أزمة مركبة من: البعد الداخلي، والخارجي.

 تداعيات هذه الأزمة بأن الرجل كل يوم يفقد الكثير من الشخصيات التاريخية التي أسست الحزب ورسمت السياسات الداخلية والخارجية لتركيا؛ بسبب اختلافات حادة جدا مع الرجل الذي أصبح يعبر عن مشكلة مقلقة داخليا وخارجيا، وبالتأكيد فإن هذه الاختلافات لم تخرج إلى العلن إلا بعد فشل كل محاولات التغطية على هذه القضايا، بمحاولات أحتوائها، أو التغاضي عنها والسكوت عن أثارتها.

 هكذا كان يسير الأمر مع أغلب الشخصيات السياسية الشهيرة، التي تطور اختلافها مع أروغان من النصح والملاحظات، إلى الاستقالة أو الإقالة، إلى النقد العلني على استحياء، وانتهاء بمعارضته الواضحة وتشيكل أحزاب جديدة للنضال ضد أخطائه، وسياساته المتهورة التي سوف تقود تركيا إلى الجحيم.

 بكل وضوح أصبح أردوغان، شخصية مستبدة ومتهورة مقلقة للواقع الداخلي والمجتمع الدولي.

 ولم يعد اليوم الرجل يعبر عن استراتيجية حزب وإنما عن هوس واستبداد وتسلط شخصي.

 لكن المدهش بالأمر بأن العوامل الاجتماعية والقوانين التاريخية التي صنعت من أردوغان هذه الشخصية المتسلطة والمستبدة، تتشكل اليوم بنفس الطريقة ولكن بالاتجاه الآخر، لإنهاء تسلط هذا الرجل وانقضاء مرحلته.

 لكن مخاض هذا ومخاطره ليست بسيطة.

 لا أحد يمكنه أن ينكر قوة شخصية الرجل وذكاءه، لكن الحقيقة هو لا يختلف عن القيادات العربية التي صنعت شخصياتها بشكل أسطوري مبالغ به، أكبر من إنجازاتها على الواقع وبناء دول لشعوبها، وكل ما صنعته من نجاحات معينة في بداياتها دمرتها مخاضات نهاياتها وصراعاتها الأخيرة، كالقذافي، وصدام حسين، من حيث المقارنات العامة والنهايات، بغض النظر عن التفاصيل والظروف المختلفة. 

 فرض أتاتورك أسلوب الحداثة الغربية على الأتراك بالقوة، لأنه كان يقاتل لإنقاذ بلده، وكانت خطته العظيمة كما عبر عنها "نقلدهم كأسلوب حياة ونرفضهم كاستعمار" وهكذا استطاع أن ينجح في إنقاذ بيت الرجل المريض.

 كانت الخلافة العثمانية في أكثر مراحلها تخلفا، وافكارها المتخلفة قد انغرست بقوة في عقول الأتراك، وكان فرض العلمانية والتطور والحداثة والخروج عن ذهنية دولة الخلافة، أمرا لا بد منه وإن كان بالقوة، في معركة قائد وطني ملهم كأتاتورك، وهذا كما يبرر له بعض الشيء من الناحية العامة، نظرا للمرحلة وظروفها فإنه لا ينفي عنه الأخطاء والتطرفات، الطبيعية وغير الطبيعة.

 ومع النجاحات الحقيقية التي أنتجتها استرتيجية أتاتورك، فإنها بعده تطورت بالاتجاهات الخاطئة كأيديولوجيا شكلية متطرفة ضد الهوية الإسلامية، وهذا ما أنتج بأن المد الإسلامي الذي يستخدم الذهنية التاريخية للعقل التركي، أصبح تدريجيا له القوة والثقل، ومن بين خضم الصراع والتناقضات استطاع تطوير نفسه، بينما أخفق العقل اليساري والقومي الشكلي والمتجمد.

 استطاع الشاب بياع البطيخ "أردوغان" الذي كان حينها متأثرا بأفكار استاذه ومعلمه وملهمه آنذاك "فتح الله كولون" عدوه اليوم الذي يقول عنه بأنه إرهابي، أن يصبح يوما قائدا للتيار الإسلامي باختلاف التنوع والتناقض داخله، في معركته مع التوجهات والتطرفات السياسية الداخلية، وأن يصل إلى سدة الحكم والقرار.

 وفي البداية لم يكن هنالك من عدو للرجل غير بعض اليسار، ونتيحة تسلط واستبداد بياع البطيخ، أصبح الأمر على المستوى الشعبي، ثم على مستوى التيارات الإسلامية، حتى وصل الأمر مع استاذه وملهمه، الذي يقود أقوى توجه إسلامي داخل تركيا، ولم يتوقف الأمر هنا بل وصل مع أهم الأعضاء والقيادات المؤسسة لحزب العدالة، أضف إلى كوراث وأزمات السياسة التركية بتدخلاتها الدولية، وانهياراتها الداخلية.

 هكذا كما بدأ الرجل ينتهي، لكننا نتمنى لتركيا السلامة، ونتمنى لكل حكمائها أن ينجحوا بالسيطرة واحتواء أزمة هذا الرجل.

 فكثيرة هي روابط التاريخ والدين والثقافة والجوار والأخوة التي تربطنا بتركيا، ودروس التاريخ التي ينبعي أن نتعلم منها جميعا.