هبة البهري

هبة البهري

تابعنى على

"عمياء وجيعانة عمياء".. عبارة فزت لها القلوب الرحيمة

Thursday 23 January 2020 الساعة 02:57 pm

في صبيحة اليوم بينما أنا على أريكتي، استغرقت بعض الوقت للاستيقاظ وتأمُل أوراق عملي المبعثرة التي تنتظرني، أفتح عينيّ وأغلقهما فورًا من شدة الحمى، مُحمرة العينين أشعر وكأن الشمس تنام معي فوق أريكتي، أنفاسي كأنها لفح من لهيب، أحاول النهوض ولكن المرض يعيد الخُدر لأصابعي والقشعريرة لفروة رأسي.

بين معمعة الاستيقاظ والمرض يتسلل صوت من نافذة منزلنا بعبارات تُدمي القلب، حتى إني رأيت أمي تهرع مسرعة لترى من أين هذا الصوت، لا يزال حضور الصوت يملأ زوايا ذاكرتي: "يا محبين النبي عمياء وجيعانه عمياء" بصوت حزين وباكٍ. نعم، هي لا تبكي ولكن قلبها يبكي ويتألم بشدة.

في لمح البصر تعد أمي بعد الطعام وعلى قدر استطاعتها من المال، لترتدي عباءتها مسرعة لصاحبة العبارات التي جعلت عيني أمي تذرف الدموع، وإذا بي أتبرع بالذهاب بدلاً عنها.

وإذا بي أصل لأرى امرأة مسنة جسدها نحيل يبدو عليه تعب السنين، ذات عينين ساحرتين ولكنهما بيضاويتين، نعم فهي عمياء، يمتلئ وجهها بالتجاعيد، هذه التجاعيد هي حَصيلة ضحكات ودَمعات خَجلوا أن يَتركوها في الماضي فأخذت تُزيِّنُ وجهها في الحاضرِ والمستقبل.

حَصلت على دعوات كثيرة وفرحة عارمة بعينيها لحصولها على الطعام، أحببت الجلوس إلى جانبها لأسألها كيف هو حالها بين هذا العالم المليء بالذئاب وكيف تعيش وأين هم اقرباؤها.

فسألتها مازحة أين مٌحبيك يا مُحبة النبي، لأحصل على كلمات بسيطة فهي بالكاد تستطيع الكلام قائلة: "مافيش ضرورة للمحبين بعدما عدا وقت ضرورة وجودهم".

وكأنها تقول: غير مرحّب بالأشياء التي تأتي متأخرة عن موعدها بعدما تجاوزنا ضرورة وجودها.

هل لي أن أبلغكم بعض الكلمات التي انتزعتها من بين دموع عينين بيضاويتين.

وكأن دموعها تقول:

أنا أشفق على الذين تركونا في منتصف الطريق بلا داعٍ.

أشفق على الذين أفلتوا يدهم منا بلا عذر..

أشفق عليهم من صلابة قلوبهم وجمود أعينهم..

أشفق عليهم من دَين مؤجل حتماً سيرده فيهم غيرنا.

كيف يهدأ لهؤلاء بال أو تغمض لهم عين أو يستريح لهم خاطر، وقد علموا أنّا وكلنا الله فيهم بعدما ظلمونا؟!

أتراه الله يخذلنا كما فعلوا أو يهمل جبر خاطرنا.. حاشاه حاشاه!

ويجبر الله خاطرها من فوق سبع سماوات برجل يبدو على ملامحه الطيبة ولديه أسرة وطفلان ويتكفل برعاية هذه المسنة وحمايتها من البرد والتشرد على الطرقات..

ليذهب ويأتي بسيارة ليقلها إلى بيته مع أسرته، لم تنته طيبة القلوب بعد، فالسائق لم يأخذ أجرة المشوار مبتغياً وجه الله تعالى، راجياً الأجر منه.

مشهد اليوم غيّر في حياتي الكثير، الله لا يخذل عبداً رفع يده للسماء مع يقين بالاستجابة.

جعلني أشكر أمي على أنها زرعت في قلبي رحمة كبيرة حتى في عز الشدائد، أشكر الله أنني صنيعة أمي.

أشعر بالندم الشديد أني لم ألتقط لها صورة لتروا جمال عينيها.

أنتم أيها الأخوة أمامكم فرص كبيرة جداً، الحياة جميلة بالإيمان، الحياة جنة مع الإيمان، الحياة مسعدة مع أخوة أكارم، تحبهم ويحبونك، تنصرهم وينصرونك، تنصحهم وينصحونك: (مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ).

العبرة أن الإنسان بحاجة إلى إيمان، إلى ثقة بالواحد الديان، إلى ثقة بأن الله معه، وأن الله عز وجل يمكن أن يرفعه إلى أعلى عليين، لا تنظر إلى مرتبتك الاجتماعية، هذه لا تقدم ولا تؤخر، والدليل: (رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ)..