جلال محمد

جلال محمد

بين اغتيال الزعيم وجنازة مبارك تظهر أخلاق رجال الدولة

Thursday 27 February 2020 الساعة 07:50 am

تعاملت القيادة المصرية مع وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بكل ما يجب ان يحمله هذا المشهد من الاحترام والرقي الإنساني الذي يمثل انعكاسا صريحا للمبادئ التي وضعتها الحكومة المصرية على عاتقها في السنوات الأخيرة، في إطار عدم تجاهل أبناء مصر الذين طالما عملوا على خدمتها، وضحوا بالكثير من أجل أمنها واستقرارها، ليصبح تكريم مبارك يوم وفاته، عبر إعلان الحداد، وتنظيم جنازة عسكرية تليق بتاريخه العسكري، بمثابة حلقة جديدة من مسلسل "الوفاء" الذي تكرر كثيرا في العديد من المناسبات، عبر تكريم أبطال القوات المسلحة والشرطة الذين يقدمون حياتهم كل يوم لحماية هذا الوطن ومواطنيه.
كان من الممكن أن تختار الحكومة التعامل مع الأمر باعتباره حدثا عاديا جدا في احسن الظروف، ولكن الأخلاق والإنصاف فرضا عليها أن تقوم بهذا التكريم لشخص مبارك وتاريخه، ولنا أن نتساءل ماذا كان سيفعل الإخوان في مبارك إن كانوا هم المسيطرين على الدولة في مصر؟! وقد سعوا بكل الوسائل والطرق لتجريمه وتلفيق التهم له رغم البراءة التي نالها عبر المحاكم المصرية.
تكريم مبارك بعد وفاته هو احترام للتاريخ.. تاريخ عسكري لقائد مهم بالقوات المسلحة المصرية لعب دورا عظيما في حرب العزة والكرامة، وما قبلها، وتاريخ سياسي "له ما له وعليه ما عليه"، لتتفادى الدولة المصرية فخ "التشويه" الذي طالما نصبه خصومها بحق أحد قيادات جيشها، والسعي نحو تجاهل إنجازاته العسكرية، ودوره المؤثر في تحرير الأراضي المصرية، حتى ينالوا من معنويات أبناء قواتنا المسلحة الذين يضحون بأرواحهم من أجل حماية وطنهم.
باعتقادي أنه لو كانت جماعة الإخوان باقية على رأس الحكم في مصر، كانت ستعمد لمهاجمته وشتمه كما تفعل اليوم من بلاد "المنفى" تركيا، وكانت ستقول فيه كل شنيع من باب تصفية حسابات قديمة أو لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا ديدن الجماعات الإسلامية المتطرفة، ولنا أن نتأمل في حال اليمن وكيف تنكرت جماعة الإخوان -حزب الإصلاح- وأغلب القيادات السياسية والحزبية والعسكرية لتاريخ الشهيد صالح، وتعاملوا معه بحقد وغل لا مثيل له، متناسين أدواره الوطنية والعسكرية وطبعه المتسامح، فتعاملوا بأسلوب لا يتعامل به إلا الهمج والرعاع، وما زالوا مستمرين في سقوطهم وتنكرهم وحقدهم وتشويههم له وهو جزء أصيل من تاريخ اليمن السياسي والنضالي.
ما بين تعامل الحكومة والشعب المصري مع رحيل حسني مبارك، وبين تعامل "حكومتي اليمن" مع الشهيد صالح ندرك كم تفتقر حكومتا "جماعة الحوثي، والإخوان وهادي" لمبادئ السياسة والأخلاق والإنصاف والمدنية، وكم تفتقر جماعتا الإسلام السياسي في اليمن للأخلاق الإسلامية ذاتها.
كان يمكن للسياسة المصرية أن تختار تسليط الضوء على كل نقيصة في تجربة حكم مبارك التي استمرت 30 عاما، حملت كثيراً من الأخطاء والإخفاقات، ولكنها اختارت ان تتعامل بتعامل "رجال الدولة" الحقيقيين، المؤمنين بأن الحياة دواليك، فاختارت أن تتعامل بمنتهى الشرف في زمن حقا عز فيه الشرف، شرف يقدر جلال الموت ولا ينتقص الآخرين أو يبخسهم حقوقهم حتى مع ارتكابهم أخطاء لم تكن هينة.
إن الشرف السياسي لا يليق إلا برجال دولة يحملون قيم الفرسان وشجاعتهم، وليس بقيادات مليشياوية تقتات على الكذب وتتاجر بالدين ولا تمتلك منجزا أو حجة غير التكفير والتفجير، كما أن هكذا شرف لا يليق إلا بشعب متحضر كشعب مصر الذي عرف المدنية والعلم والحضارة منذ القدم ومن أسبق الدول العربية لها.