حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

أربعة أسئلة عن كورونا

Wednesday 18 March 2020 الساعة 06:54 am

السؤال الأول: لماذا ظهر فيروس كورونا الآن؟


فيروس كورونا المستجد أو المطور هو جزء من عائلة الفيروسات التاجية التي تضم كورونا الجمال الذي انتشر في السعودية في 2012، والسارس الذي انتشر في الصين في 2003، وفيروس نزلة البرد العادية. هذه الفيروسات حيوانية المنشأ أي انها كانت تصيب الحيوانات فقط، لكنها تحت عوامل التغير البيئي غيرت من خصائصها الجينية لتنتقل إلى الإنسان وتصيبه بالعدوى.


يمكن تفسير هذا الظهور المتلاحق للفيروسات في فترة زمنية قصيرة بعامل الضغط الإنساني على البيئة الحيوانية عبر تدمير الموائل الطبيعية للحيوانات مما يدفعها للاستيطان في مناطق قريبة من التجمعات السكنية البشرية الزاحفة او حتى داخل التجمعات السكنية نفسها مما يوفر بيئة صالحة لتبادل الفيروسات والجراثيم. 


عندما تجد الفيروسات نفسها في بيئة مستجدة تبدأ تدريجيا بتعديل خصائصها الجينية (الانتخاب الطبيعي) لكي تتلاءم مع العائل الجديد.


السؤال الثاني: لماذا كانت الصين بالذات منبع أغلب هذه الأوبئة؟


ظهر فيروسا السارس وكورونا الحالي من سوق اللحوم الحيوانية غير القانوني الذي يضم محلات لذبح وشراء حيوانات برية مثل الخفافيش والفئران والقطط والكلاب والأفاعي. هذه البيئة غير الطبيعية لاستهلاك لحوم حيوانات برية لم تخضع للفحص البيطري او للرعاية البيطرية للتخلص من الفيروسات جعلت سوق اللحوم الشعبي الى مستعمرة لتجميع وانتقال كل انواع الفيروسات الساكنة في أجساد تلك الحيوانات.


يعتقد ان الفيروس كان يصيب الخفافيش، لكنه لم ينتقل الى الانسان مباشرة بل عن ترجح احدث نظرية انه انتقل عن طريق حيوان وسيط هو آكل النمل الحرشفي الذي يستهلك لحمه في الصين. وقد عمل هذا التواجد غير الطبيعي للحيوانات البرية على ايجاد جسر يعبر خلاله الفيروس المميت من الخفاش الى الإنسان.


السؤال الثالث: إذا كان الفيروس يقتل فقط 1% الى 2% من المصابين فلماذا هذا الفزع؟


يرى العلماء ان الفيروس يحتاج الى ثلاث خصائص "للنجاح". أولا يجب ان لا يكون مميتا الى الحد الأقصى لأن الفيروس الذي يقتل كل ضحاياه يكسر سلسلة انتشاره، وكلما قتل الفيروس ضحايا اكثر كلما قلل من سلسلة انتشاره،. الخاصية الثانية ان تكون لديه القدرة على الانتقال عبر طرق سهلة. الوسيلة الوحيدة لانتشار فيروس داء الكلب هو عضة الكلب المصاب لهذا فهو فيروس محدود الانتشار وغير قادر على الابتكار. فيروس الايدز اكثر ذكاء هو ينتقل عبر تبادل السوائل وخاصة عبر الجنس ولا شيء يمارسه الانسان يوميا وبدون حماية اكثر من الجنس. لكن الإيدز ايضا محدود الانتشار بين من لا يمارسون الجنس "غير الآمن". أما الخاصية الثالثة هي قدرته على التكيف مع العوائل الجديدة و"التعايش" داخلها. 


فيروس كورونا "المستجد" قريب جدا في تكوينه الجيني من فيروس السارس القاتل لكن مع تطوير خاصيتين جديدتين.  الخاصية الأولى أنه اكثر قدرة على الانتقال وهو من هذه الناحية فيروس خارق ينتقل عبر الاسطح الملوثة والعطاس وحتى عبر لمس العين والأنف بأيد ملوثة. الخاصية الثانية أنه يقتل أناسا أقل، وهو هنا ضحى بقدرته على الإماتة من أجل أن يعيش داخل أجساد اكثر. الخاصية الثالثة أن لديه فترة حضانة طويله تمتد الى اسبوعين لا تظهر فيها أي عراض وهي الفترة التي يستغلها الفيروس لينتشر بسرعة. 


هذه الصفات المراوغة تجعل وباء كورونا المستجد أخطر وباء تواجهه البشرية منذ أكثر من 100 سنة.


السؤال الرابع: عدد الموتى من الفيروس أقل بكثير من عدد الموتى بالانفلونزا العادية ، فلماذا كل هذا الفزع؟


نسبة الوفيات بكورونا أكثر عشر مرات او اكثر من نسبة الوفيات بالانفلونزا. ويمتلك فيروس كورونا المستجد قدرة هائلة على الانتشار تتعدى قدرة فيروس الانفلونزا العادي. التقديرات تقول انه سيصيب 60% الى 70% من السكان في المناطق الموبوءة، وانه سيقتل %1 إلى 2% من المصابين. ولأنه فيروس مستجد فان اجسامنا لم تكتسب مناعة ضده مثلما اكتسبت مناعة ضد فيروس اانفلونزا العادية مما يعني أن أغلبنا معرض للإصابة به عاجلا أو آجلا.

أذا كان الفيروس (حسب التقديرات) سيصيب 70% من البشر فإننا نتكلم عن 5 مليار شخص معرضون للإصابة به في خلال السنوات الثلاث القادمة. وإذا كان 1% فقط من المصابين سيموتون فالرقم ضخم جدا وكارثي. وتخفيف الكارثة يكون عن طريق إبطاء عملية انتشار الوباء حتى الوصول للقاح أو علاج أواكساب السكان مناعة طبيعية ضده، وهذا ما يحاول المجتمع الدولي انجازه حاليا.


إن سبب قلة الوفيات ومحدودية الحالات المصابة حتى الآن يعود الى الاجراءات الاستثنائية والخدمات الطبية غير المسبوقة التي اتخذتها البلدان والتي لولاها لكانت الحالات بمئات الآلاف في كل بلد. 


لا يمكن ايقاف الفيروس والأرجح انه سيستوطن ويصبح جزءا من الامراض الموسمية التي نصاب بها خاصة في موسم البرد. ولو توصلنا الى لقاح سنتمكن من انهاء الجائحة ،أما لو فشلت الدول في ذلك فالمأساة سيخلدها التاريخ الى جانب مأساة الانفلونز الاسبانية قبل قرن التي قتلت 20 مليون انسان.


*من صفحة الكاتب على الفيسبوك