عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

رواية كورونا من سيكتبها؟ قراءة في تاريخ وأدب الكوارث

Monday 23 March 2020 الساعة 05:29 pm

في تاريخ الرواية والأدب هناك الكثير من الأدبيات التي حكت تاريخ الأوبئة وحكت المشاعر الإنسانية، والحجر الصحي وحالات الهلع والخوف من العدوى.. ولعل فيروس كورونا سينال في قادم الأشهر حظاً كبيراً من ذلك، ولا شك أن روايات وقصص ستكتب في ذلك فلمن سيكون السبق يا ترى؟

نحاول هنا في إطلالة سريعة في تاريخ وأدب الكوارث التعرف على بعض ما سجل في هذا السياق تاريخا ورواية وأدبا.

من أشهر ما كتب في هذا الموضوع رواية الحب في زمن الكوليرا، وقصيدة الكوليرا لنازك الملائكة، وقصيدة الاديب الانجليزي روديار كبلنج معسكر الكوليرا، ورواية الرمز للبرتغالي جوزيه سارماغو، ومديح الألم لسيد بحراوي، وساقي اليمني للشاعر وائل وجدي، وامرأة مشعة للمصرية نعمات البحيري، ورواية المحطة لايميلي سانت والتي تتحدث عن وباء متطور للأنفلونزا يقتل معظم العالم.

ومن ذلك أيضا رواية اليوم السادس للكاتبة الفرنسية من أصل مصري أندريه شديد التي جسدت سينمائيا في فيلم أخرجه الراحل يوسف شاهين، حيث كان اليوم السادس هو عتبة الطفل الصغير نحو الحياة، بعد تجاوز مرض الكوليرا الذي أصاب الطفل وخبأته الجدة حتى لا يحتجز في المعزل الصحي ويموت.

الأديب نجيب محفوظ أيضا رصد تفشي أمراض بعينها كالسل والطاعون في كثير من أعماله وقام بتوظيف الواقعة التاريخية الخاصة بانتشار مرض الطاعون في مصر في بداية القرن الثامن عشر الميلادي توظيفا أدبيا فلسفيا في روايته الحرافيش، وقد عمد إلى تحويل جانب من تلك الصورة الواقعية إلى أخرى فانتازية متخيلة حينما عاد بطل الرواية عاشور الناجي بعد سنوات من فراره إلى الخلاء مع أسرته هربا من وباء الطاعون ليجد الحي الذي كان يسكنه خاويا من البشر على الرغم من بقاء المنازل والأمتعة كما هي.

ومن أهم الأعمال وأبرزها رواية الطاعون لكامو، التي يجمع الدارسون على ان احداثها جرت في اربعينات القرن الماضي في مدينة وهران الجزائرية، لكن كامو غير المكان ليجعله، ليس سوى مديرية فرنسية على الشاطئ الجزائري.

وربما كان المؤرخون أسبق من الأدباء إلى تناول تفاصيل الفترات التاريخية التي استشرى فيها الوباء أو المجاعات.

وفي التاريخ العربي الإسلامي نماذج لذلك مثل المقريزي وابن حجر والسيوطي وغيرهم، لكن السمة الغالبة في كتاباتهم التاريخية التي استشرت فيها الأوبئة والمجاعات اعتمدت على البعد الديني لتفسير الأوبئة والمجاعات في تلك الكتابات التاريخية، كما في كتاب إغاثة الأمة لكشف الغمة للمقريزي وبذل الماعون في فضل الطاعون لابن حجر الذي أكد على الربط بين الإصابة بالطاعون وبين الاستشهاد.

وفي التاريخ الأوربي في هذا التوقيت تقريبا وفي منتصف القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي ظهر الطاعون كوباء عالمي حصد أرواح الملايين حتى سمي في أوروبا الوباء الأسود، وبمقارنة الروايات التاريخية الغربية لتلك الحقبة بمثيلاتها العربية قد يبدو مدهشا أن يأتي السرد التاريخي في الغرب مختلطا بالخرافة والأسطورة، وقد ساد اتجاه في تلك الكتابات التاريخية يحمل اليهود مسؤولية انتشار المرض عالميا واتهموا بتسميم مياه الآبار وقتل الأطفال، واختلطت الوقائع التاريخية بالخرافات في كتابات المؤرخين الغربيين.

وبرغم قسوة الوباء الذي قضى على ثلثي سكان مصر في المرحلة نفسها تقريباً وطال البشر والحيوانات والأسماك وقضى على معظم مظاهر الحياة في البلاد، إلا أن المؤرخين العرب لم يخلطوا في تسجيلهم لتلك الحقبة تاريخيا بين الوقائع والأساطير كما حدث في الغرب.

لكن أخطر هذه الأعمال الرواية الحديثة رواية أمريكية والتي تنبأت بظهور فيروس كورونا وحددت مدينة ووهان الصينية تحديدا في الصين، وهو ما أثار الجدل باعتبارها سبقا خطيرا..

الرواية تحمل عنوان عيون الظلام نشرت عام 1981 للأمريكي دين رأى كونتر وهو كاتب اشتهر بكتابة القصص البوليسية والخيال العلمي. ويحكي في الرواية أحداث فيروس يضرب ووهان ثم يصاب به معظم العالم وهو فيروس يتحمل الظروف الجوية ويصف الفيروس واعراضه بشكل دقيق، ويقتل الإنسان في ظرف أربع ساعات. تحولت الرواية إلى ضجة أدبية، وحاليا يطبع منها ملايين النسخ.

ولعل موسم الأوبئة موسم خصب للإشاعات وتجار الدين للإعلان عن مساهماتهم في العلاج من خلال الدعوة للعودة إلى الله أو من خلال زعمهم أنهم اكتشفوا علاج الوباء كما فعل محمد عبدالمجيد الزنداني الذي أعلن هو وأخوه عبدالله اكتشافهم لعلاج يقتل فيروس كورونا في اثنين وسبعين ساعة، مما أثار موجة من السخرية، وذكر العالم بسابقة والدهم الذي ادعى أنه يملك علاجا لفيروس الايدز من سنوات.

لعل تاريخ الكوارث يثير مخيلة الشعراء والكتاب للإبداع وتصوير الواقع وكتابة تجارب الألم بعمق.

وفي علم النفس وعلم الاجتماع يرى الباحثون أن ثمة انماطا سلوكية ونفسية ارتبطت بأوقات الكوارث والأمراض تحديدا وتنتج موجات من التناقضات القيمية والسلوكيات غير الرشيدة وغير العقلانية وتعيد الإنسان لحالة بدائية في تفكيره، والاتجاه نحو أعمال دينية وخيرية وغيرها من أنماط السلوك الحادث العابر الذي هو نتيجة لهشاشة العقل الإنساني.

كما يحضر الموروث الشعبي والفلكلور والحكايات القديمة ودوامات مختلفة بفعل صدمة الكارثة. وفي ظل كارثة كورونا تحدثت تقارير إعلامية أن 80٪ من الصينيين الذين أصيبوا بفيرس كورونا جربوا العلاج التقليدي، وفي الهند لاقى بول البقر رواجا كبيرا، وأقاموا احتفالات هندوسية لذلك، كما حضرت نظرية المؤامرة كثيرا لتفسير الظاهرة. ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا محوريا في ذلك.

كما تم ربط الوباء ببعض المناطق وبعض الإثنيات التي تظهر فيها لأول مرة ثم تنتشر بعد ذلك، وأحيانًا تتعرض هذه الإثنيات إلى استبعاد أو تمييز أو وصم. ومن الأمثلة على ذلك ظهور مصطلح "الكورونوفوبيا" الذي ابتدعه البعض لتجسيد حالة الخوف من كل ذوي الملامح الآسيوية وليس الصينيين فقط، وذلك على الرغم من فساد الربط بين العرق وانتشار الأوبئة، وعدم منطقيته. وبرزت في المنطقة العربية مؤشرات على انتشار هذا السلوك، كما في التعليقات "السلبية" عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، بل وانصرفت أحيانًا إلى الواقع العملي.

كما نشر طالب صيني يدرس في الجامعة اللبنانية فيديو يتحدث فيه بعربية فصحى عن معاناته من الممارسات العنصرية في الشارع اللبناني بعد انتشار فيروس كورونا المستجد، وكيفية تجنب الناس له، وأحيانًا تعرضه للإساءات اللفظية. وحدث ذلك في دول أخرى.

كما ظهرت حالات إيجابية فقد ظهرت مشاهد في دول انتشار فيروس كورونا المستجد الحالي لسكان بعض الأحياء الذين يتواصلون بالغناء أو التصفيق أو الدعاء في اللحظة ذاتها، والتواصل عبر النوافذ لدعم بعضهم بعضًا، وتحفيز أنفسهم على مواصلة المواجهة والحفاظ على التوازن وبث مشاعر الأمل والتضامن. وعلى الجانب الآخر، تحفز هذه الأوقات المجتمع على خلق أفكار ومبادرات للمساعدة في الوضع الحالي، ومن ذلك ما قام به مهندس إيطالي بشركة للطباعة باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد بتصميم وطباعة صمامات تنفس لصالح مستشفى في إيطاليا نفد مخزونها من هذه الأدوات الطبية. وقيام بعض الناس في توزيع الكمامات والاسبرتو وغيره..

كل ذلك يشير إلى أن الأوبئة تعتبر من الخبرات الاجتماعية التي تترك تأثيرات طويلة المدى، وتظل انعكاساتها لسنوات، وتسجل في كتابات الصحفيين والكتاب وتطور إلى روايات واقتصاد سياسي وعالم من العلوم والآداب والمعرفة. وقد تساهم في تطوير أو تغيير الملامح الاجتماعية للدول، خاصة مع زخم التفاعلات التي تصاحب فترة وجود الوباء.

وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية التي يمر بها العالم تأتي في سياق مغاير تمامًا للأزمات المشابهة التاريخية، حيث تلعب الحلول التكنولوجية عاملًا في ظهور حلول مبتكرة، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي عاملًا مركبًا آخر بين نشر الوعي والشائعات.

ولعل قادم الأيام ستشهد تسابقا محموما في كتابة روايات تجسد ما حدث وما زال يحدث لهذا الوباء الفتاك. فلمن سيكون السبق لأول رواية أو سفر أدبي يحكي ويجسد ذلك بصورة مدهشة.

ولعلي وأنا استطرد بعض هذه الكتابات استغربت لماذا لم يكتب البردوني شيئا كهذا، وهو الذي عاش جائحة الجدري وأصيب به وفقد بسببه بصره؟

على كل الأحوال، سننتظر ما يبدع به الكتاب.. مع الأمنيات بسلامة الجميع...