د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

الممكن والمستحيل في السياسة اليمنية!

Friday 10 April 2020 الساعة 05:57 pm

السياسة فن الممكن. لا المستحيل، والقاعدة الثابتة لهما في السياسة اليمنية، كالتالي:

المستحيل: نجاح أحد أطراف الصراع، بالقوة والغلبة وحدها، بمحو الأطراف الأخرى تماماً، ومن ثمّ السيطرة على الخارطة اليمنية كاملة، بشكل دائم.

الممكن: هناك ممكنات كثيرة.. إيجابية وسلبية، أسوأها قيام أطراف الصراع بتمزيق هذه الخارطة الكاملة وتقاسمها فيما بينها كدول مستقلة.

في العادة تبدأ الصراعات في اليمن من أجل هذا المستحيل، لكنها بعد عجز الأطراف عنه، واليأس منه، تتجه أحياناً إلى هذا الممكن الأسوأ على الإطلاق!

تكرر هذا السيناريو كثيراً، خلال التاريخ اليمني القديم، الوثني والإسلامي، ويبدو أنه يعود مجدداً على شكل مهزلة، في الصراع اليمني الراهن.

القوى الشمولية التي حاولت خلال هذا العقد الأسود الأخير الاستحواذ على كامل الخارطة اليمنية، باتت على قناعة بإقامة دولٍ خاصة بها على أجزاء من هذه الخارطة.

الجماعة الحوثية، وجماعة الإخوان بالتحديد، كلٌّ منهما باتت تتصور، هكذا، رغم شعاراتها المناقضة، أن القضية اليمنية انتهت أو ستنتهي بتقاسم الخارطة اليمنية بينها كسلطات أمر واقع.

لكلٍ منهما، حالياً، جيشه الخاص، وخارطة سيطرة تتمدد وتنكمش باضطراد، ويمارس سلطة مستقلة، ويرتبط بمشروع فئوي علاقته بدول خارجية أكثر من علاقته باليمن.!

من جهتهم، نجح الإخوان حتى الآن في إقامة دويلات خاصة، في تعز ومأرب، ومناطق أخرى ضمن خارطة ممزقة تشبه الخارطة المقترحة مؤخراً لفلسطين من قِبل الإدارة الأمريكية.

الدولة الحوثية أكثر تماسكاً، وتمتلك منافذ بحرية، لكن تنقصها الثروة النفطية، في مقابل خارطة الإخوان التي تمتلك النفط في مأرب، لكن ينقصها منفذ بحري.

حتى الآن كلٌ منهما تنقصها بعض مقومات الدولة، وتحاول بلا هوادة استكمالها. ما يفسر إصرار الحوثي على إسقاط مارب، وتصميم الإخوان على تحرير المناطق المحررة في الساحل الغربي.

في كل حال فإن الأولويات الملحة الراهنة، لكلٍّ منهما، هي تحقيق أكبر قدر من التمدد على حساب بعضهما.. أو غيرهما قبل تسوية نهائية متخيلة تمنح الأمر الواقع لسيطرتهما صيغة رسمية، وربما نوعاً من الاعتراف الدولي.

لكن هذا الممكن لم يعد ممكناً. لأسباب حاسمة كثيرة. تجعله ضرباً من المستحيل، على الأقل في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية القائمة.

هذه الظواهر الانتهازية المناطقية الفئوية الضيقة، كانت حاضرة دائماً في كوارث التاريخ اليمني العارم، لكنها كانت مؤقتة عابرة، ومثلها لا مكان لهذه القوى الكهنوتية الطارئة في مستقبل الجغرافيا اليمنية.