حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

نتيجتان عَرَضِيَّتَان للتدخل في اليمن

Wednesday 15 April 2020 الساعة 10:32 am

▪دخلت الحرب عامها السادس منذ اللحظة التي بدأ فيها التحالف بقيادة السعودية عملياته في اليمن. لم يعد من السابق لأوانه إطلاق تقييمات أولية عن الأوضاع والنتائج التي تمخض عنها حدث كبير لا يزال في طور التفاعل.

فمن النتائج العرضية -غير المقصودة- للتدخل العسكري للتحالف في اليمن هو أنه حال دون أن ينظر الحوثيون إلى أنفسهم في وقت مبكر نظرة نقدية واقعية.

ما يسمونه بـ"العدوان السعودي" أعفاهم تماماً من أن يفسِّروا الوضع الجهنمي -الذي قادوا أنفسهم وقادوا اليمن إليه- عن طريق البحث عن أوجه النقص فيهم، مثلاً، والتنبه إلى فساد المنطق الذي يحكم تصرفاتهم منذ ما قبل سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014. باختصار، لقد وقف بينهم وبين أن يراجعوا أساليبهم الهمجية، وأن يعيدوا تقييم خطواتهم المتهورة أولاً بأول، وأن يخافوا من عواقب أفعالهم.

لديهم فائض مخيف من حسن الظن بأنفسهم يزداد باطراد كلما تبين لهم عجز التحالف بقيادة السعودية عن تحقيق أهدافه المعلنة. التدخل العسكري الخارجي هو وحده، في اعتقادهم، ما يحول بينهم وبين حكم اليمن بأكمله، وهو وحده السبب في انحباسهم في ركن ضيق من البلاد، أما هم فلا يرون في أنفسهم عيباً ولا نقصاً بل يزدادون ثقة في كل ما يقولونه ويفعلونه.

وهذا ليس صحيحاً البتة. فحتى لو لم يأت التدخل العسكري السعودي، علينا أن نتذكر أن المشهد اليمني، في 2015، كان غنياً بمعيقات من شأنها أن تجعل من سيطرة الحوثيين على البلاد كاملة، والاحتفاظ بها لوقت طويل، أمراً بالغ الصعوبة. فهذه الجماعة معيوبة وطنياً في صميم تكوينها، وفاقدة للأهلية، ثم إنها تمتاز بالكفاءة المثالية في تنشيط عدد لا يحصى من ردود الفعل والتمردات والمقاومات الضارية في كل مكان على مستوى البلاد.

نعني بذلك أن الأحوال في اليمن، قبل انطلاق ما سميت بـ"عاصفة الحزم"، كانت تشتمل على مصدات وكوابح ذاتية وتعقيدات لا حصر لها، إلى جانب بقية من مصادر قوة داخلية حية، وكلها كانت جاهزة لإغراق الحوثيين في دوامتها، إلا أن كثيراً من هذه الإمكانات اختفت أو تعطلت بفعل الحرب.

▪لكن من زاوية أخرى، للتدخل العسكري في اليمن بقيادة السعودية نتيجة مهمة، لكنها عرضية أيضاً، أي غير مقصودة، وهي أنه -إذا جاز التعبير- تمكن من سحب البساط، إلى حد كبير، من تحت الجماعات المتطرفة كالقاعدة وتنظيم "داعش"، وذلك من خلال مصادرة القضية التي كانت هذه الجماعات على أهبة الاستعداد لتبنيها والازدهار على عاتقها: مواجهة الحوثي باعتباره "شيعياً" "رافضياً" في مناطق "السنة".

صحيح أن التحالف استفاد، في البداية، من هذه الجماعات في المجهود الحربي لإجلاء الحوثيين من جنوب اليمن وبعض مناطق الشمال، وصحيح أن تلك الجماعات سيطرت في الأعوام 2015 و2016 على أراض واسعة، وأعلنت تأسيس ما يشبه الإمارة الإسلامية في حضرموت، شرق اليمن، وكانت شبه مسيطرة في محافظتي أبين ولحج، وتمارس بعضاً من وظائف الدولة، إلا أنها مع وجود التحالف كبديل سياسي وعسكري في ما يخص تنظيم ورعاية المواجهة مع الحوثي، سرعان ما خسرت جميع تلك المكاسب، إما بعمل عسكري أو بواسطة استراتيجية تجمع بين العمل العسكري والمساومات التي قادها التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة.