ماجد زايد

ماجد زايد

تابعنى على

الكتابة مهنة خطرة.. نصيحة روائي عالمي

Wednesday 02 June 2021 الساعة 06:12 am

الروائي الألماني غونتر غراس الحائز على نوبل للآداب حينما جاء إلى اليمن في العام 2000م بغرض المشاركة في مؤتمر أدبي وثقافي برفقة أدباء آخرين من ألمانيا والنمسا وسويسرا، بدعوة رئاسية من علي عبدالله صالح، قام بزيارة حراز برفقة عبدالكريم الإرياني وبقية الأدباء والضيوف، وتجولوا في قراها وحياتها وتضاريسها وألتقوا أبناءها وسكانها وتفاصيلها المثيرة للشغف العالمي..

يا له من شرف كبير، لليمن عمومًا ولحراز على وجه الخصوص..! 

غراس الذي قال بروايته النوبلية "طبل الصفيح": الكتابة مهنة خطرة، تكسر المحرمات، ومن لا يملك الشجاعة بعبور الحدود جميعًا، عليه أن يختار مهنة أخرى: "أن يكون حلاقًا أو قصَّابًا مثلاً!". 

التقى برئيس الدولة وانتزع عفوًا رئاسيًا وحماية أمنية للروائي اليمني وجدي الأهدل المتهم بإهانة الجيش بعد ضغط مجتمعي مخيف، تلاه ملاحقة دولية ومطالبات رسمية بتسليمه، في ذاكرة خالدة عن رجل يحمل غاياته وأهدافه النبيلة قبل ذاته وتباهية بمجرد وجوده، يومها أعُلن أسمه في قصر الرئاسة اليمني للقيام باستلام درعه التكريمي الاستثنائي، لكنه وبشكل صادم كسر لبروتوكولات السياسة والثقافة والأدب، رفع يده معترضًا ومتحاملًا وقال إنه يعتذر عن قبول الوسام حتى تلبّى مطالبه!

قال إنه يُطالب بعودة الكاتب المنفي، وجدي الأهدل إلى وطنه، وأن يصدر الرئيس قراراً بالكفّ عن ملاحقته قضائياً وتوفير الحماية له..!

يقول وجدي الأهدل عن الحادثة: حدث اضطراب كبير بين رجال السلطة، بعضهم ينفي أن هناك قضية مرفوعة من الدولة ضدّ الكاتب، وبعضهم يزعم أن الكاتب دجّال منحرف لم يُغادر بلده ويعيش حرّاً في قرية نائية، وبعضهم راح يُصحح لغونتر غراس بأن الكاتب الذي يتوسّط له ليس أديباً جديراً، وأن ما كتبه ليس رواية أصلاً.

استمع غونتر غراس لهذا الهراء قرابة نصف ساعة، ولم يتزحزح مطلقاً عن موقفه. 

جرّبوا جميع الحيل ونطقوا بكل الحجج لثنيه عن مطلبه دونما فائدة.

 عندما قيل له إن الكاتب قد أساء للعادات والتقاليد والقيم اليمنية الأصيلة، انتابه الغضب من هذه الحجّة، وقال إنه في شبابه واجه اتهامات مماثلة، وهو يعرف زيفها. 

بعدها، طلب الرئيس صالح مهلة عشر دقائق للتشاور. 

لا أحد يعرف ما الذي جرى بالضبط.. لأنه لم يصحب معه أحداً من رجالات الدولة حين خرج. 

لكنه بعد عودته أعلن موافقته على مطالب غونتر غراس، فقبل الأخير الوسام. 

هذه تفاصيل ما حدث، وهذا لا يحدث في زماننا الحالي ولا يتكرر، هذا النبل والشجاعة والقيم وتبني القضايا المشتركة في سبيل الأدب والكلمة أمر بالغ الاستثناء.

غراس في أثناء مكوثه بصنعاء، وفي خضم نقاشاته ولقاءاته الرسمية والثقافية، سأل صباح ذات يوم الجالسين بقاعة فندق تاج سبأ "وكانوا أكثر من مائة شخص من وجهاء اليمن": ماذا سيحدث لو أن أحدهم كتب عن صنعاء بالروح نفسها التي كُتبت فيها رواية طبل الصفيح؟" وكان جواب محافظ المدينة صريحًا، "سيحدث له، مثلما حدث لطبل الصفيح عند صدورها في ألمانيا"..

بعد استماعه لإجاباتهم ختم كل شيء حين قال: 

الكتاب ليسوا معنيين فقط بحياتهم الداخلية الفكرية، بل بالحياة اليومية أيضًا. 

والكتابة والرسم والنشاط السياسي أمور متصلة ببعضها، بلا فكاك من السياسة، شئنا هذا أم أبينا..

أما أنا في حين أنني لا يمكن أن أكتب قصة عن واقع سياسي بصورة محددة ومختزلة، فإنني لا أجد سببًا يدعوني إلى استبعاد السياسة بما لها من قوة حاكمة عظيمة في حياتنا.

إنها تنسرب إلى كل منحى من مناحي الحياة بطريقة أو بأخرى.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك