ملايين اليمنيين في الخارج يتساءلون: متى نسمع أجراس العودة؟

متفرقات - Friday 10 May 2019 الساعة 11:05 am
القاهرة، نيوزيمن، خاص:

أقبل رمضان وحال اليمنيين في الخارج كما الداخل لم يتغير منذ سنوات، ولا خبر يبشر بانتهاء الحرب التي تأخد أبعاداً جديدة ومنعطفات خطيرة، ولا رؤية تبلورت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالمواطن في الداخل يعاني وفي الخارج يعاني، الهموم مشتركة والأوجاع واحدة مع بعض الفوارق.

نيوزيمن استمع إلى مشاكل وهموم وحنين عدد من اليمنيين في القاهرة، حيث اختلفت معاناتهم من مريض ونازح وهارب من بطش المليشيا وعالق بين الشرق والغرب.

يتساءل محمد الفرح، خريج جامعي لغة انجليزية، وأحد ضحايا قوانين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله: كيف ستهنأ بشهر الصوم وأنت عالق في بلد، وأولادك في بلد آخر، وأمك وأبوك في بلد ثالث؟!

يضيف بحرقة: ماتت أختي قبل أشهر في اليمن ووقفت مصدوماً وعاجزاً عن القيام بأي شيء غير النحيب والبكاء، السفر طويل والمطار مغلق، ولا حيلة باليد أقوم بها.. أنا اليوم واقع في حيرة بين العودة إلى الوطن بين أحضان أمي، أو انتظار أقرب مقابلة في السفارة الأمريكية، مع علمي المسبق أن الأمور لا تزال معقدة. رمضان هو الأول لي هنا في القاهرة ولا بد من أن أتكيف معه.

الجميع ينتظر انفراجة..

بشير قاسم، هارب من جحيم الحرب يقول: وصلت القاهرة قبل يومين من مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رحمه الله.. تصور كيف سيكون هذا الشهر والبلد لا يزال يرزح تحت وطأة الفوضى. أنا على مشارف أن تنتهي إقامتي، لذا أشعر بقلق شديد، لأني مضطر للذهاب إلى التجمع والوقوف أمام طابور طويل من أجل تقديم الأوراق، وتسديد رسوم إقامة ستة أشهر أخرى، أكثر من ألفي جنيه أتحملها كل عام أي ما يعادل إيجار شهرين كاملين بالنسبة لي.

ويضيف: لم يعد رمضان بتلك الروحانية، لقد أصبح شعيرة عادية، ربما بسبب هذه الحرب التي قضت على كل المظاهر الجميلة رمضان الذي نبحث عنه والذي كان لم يعد موجوداً، آلاف الأفكار والهموم تتجمع في ذهنك كلما حاولت أن تستعيد لحظة جميلة. يختم حديثه قائلاً: أتخيل بلداً بلا ماء ولا كهرباء، بلدا معزولا عن العالم وفوق كل هذا أزمات متلاحقة يفتعلها الحوثيون لإرهاق المواطن، انعدام النفط والغاز وزيادة في الأسعار.

الحنين إلى وجه صنعاء

الصحفي والكاتب المعروف حسن العديني، يقيم في القاهرة من بعد اندلاع الحرب، كتب على صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي فيس بوك: في رمضان لا بد أن يحن المرء لوجه صنعاء، ورائحة صنعاء، وجمال وبشاشة صنعاء الهادئة والحانية.

صوت المقرئ القريطي، ووجه بائعة القات في سوق عنقاد؛ الوجه الضامر بلون الزبيب. وجه فوزية التي توله بها سبطي آدم حين كان يخطو بين الثانية والثالثة، عشقها وعشقته.

حين ننزل بالسيارة إلى السائلة يبتهج آدم عارفا أننا ذاهبون إلى فوزية وهي تستقبله بابتسامة ملء شدقيها، وتضمه وتشمه وتقبله بحنان الأم، وحين لا يجيء تقطب وتسأل وتترجى أن يكون هناك في الغد.

يختم كلامه المليء بالشجن قائلاً: ساحتفظ بصوت القريطي، في انتظارر أذان المغرب؛ هنا في القاهرة سأسمعه شجناً ومحبة.

مالك المعلمي، نازح مع أولاده يقول: الشعور بفقدان الوطن أو فراق الأهل شعور صعب، لا يخفف منه إلا أمل العودة عن قريب، الغربة صعبة، وحال الوطن أصعب. أسأل الله أن يجمعنا أهلنا وأصدقائنا عن قريب، وأن يصلح حال الوطن، لنعود إليه مكرمين معززين.

طوابير لا تنتهي

هنا في القاهرة زيارة واحدة للسفارة أو القنصلية اليمنية على وجه الخصوص، تغنيك عن ألف كتاب؛ زحام لا آخر له، وطوابير طويلة، الجرحى بالعشرات، الآباء والأمهات من كل المدن اليمنية، يتوحدون دون استشعار أي لغة انفصال، أو مظهر من مظاهر الفُرقة، موظفين ومدنيين، كل له مآربه وحاجته.

مبنى القنصلية أصغر بكثير من أن يستوعب يومياً عشرات بل مئات المواطنين، الذين يترددون على القنصلية لإنجاز معاملات فيها الكثير من الروتين المرهق، تبذل القنصلية مجهوداً تشكر عليه، غير أن هناك الكثير من القصور، وهي معاناة اعتاد عليه المواطن اليمني في معظم القنصليات وخاصة هنا في القاهرة.

ماذا يعني بقاء الحرب؟!

رحمة محمد، أستاذة مادة اجتماعيات تقول: للمرة الثانية أصوم خارج اليمن وتحديداً خارج العاصمة صنعاء، ظروف قاهرة فرضت علينا هذا الوضع، لكن بالتأكيد هناك فارق لأننا لم نتعود على الغربة ولم نكن نتوقع هذا النزوح القسري.

عن بقاء الحرب واستمرارها سألناها ماذا يعني ذلك؟ أجابت:
يعني بقاءنا خارج الوطن لعام آخر وربما أكثر من يدري، يعني تضاعف عدد الجرحى والقتلى، بقاء الفوضى والنازحين، استمرار الفقر والبطالة، والجوع والأمراض والأوبئة، واستمرار معاناة المرأة اليمنية والطفل اليمني، يعني تدهوراً أكثر في العملية التعليمية، وانعداماً تاماً لأهم وأبسط الخدمات.

نشاط المنظمات

تقوم بعض الجهات المرتبطة ببعض المنظمات ورجال الأعمال، بتوزيع سلال غذائية بداية كل رمضان، على بعض المقيمين هنا والمحتاجين، لكنها تظل لفتة بسيطة مقارنة بحجم وعدد المحتاجين لهذه المعونات، فهناك أسر أرغمتها الحرب على النزوح أو دفعت بها ظروف أخرى لم تكن تتوقع أن تطول إقامتهم هنا، وهم بحاجة إلى مساعدات عاجلة من فترة لأخرى، بمعنى أن ذلك لا يلبي حاجة اليمنيين الذين يتواجدون في نطاق واسع من مدينة القاهرة.

المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة الهجرة تحاولان تقديم أقصى المساعدات للاجئين، مقابل ذلك هناك آلاف المتقدمين لها من جنسيات كثيرة غير اليمنيين، كون القاهرة نقطة التقاء أو بمعنى أصح أقرب الوجهات والأقل كلفة بين العواصم العربية، للقادمين من ليبيا والسودان وعموم أفريقيا واليمن، ما يشكل ضغطاً رهيباً على هذه الجهات، وهي ملزمة باستيعاب أكبر قدر من اللاجئين.

العديد من اليمنيين لجأوا إليها لعدم قدرتهم على مواجهة رسوم الإقامة كل ستة أشهر، وعدم قدرتهم على توفير بعض الأدوية والمتطلبات التي تنوب المنظمة عنهم من خلال الكرت الأصفر "كرت لاجئ".

أمراض مستعصية ومليشيا غير آبهة

يتزايد أعداد المرضى الذين يتدفقون على القاهرة، من المصابين بالسرطان وأمراض القلب والكلى، وتطول أحيانا الجلسات الكيماوية بالنسبة للمصابين بالسرطان إلى عدة أشهر، وهناك مرضى الفشل الكلوي يغسلون بصورة مستمرة، كما يصطدم البعض بتكاليف باهزة جداً في حال القيام بعمليات جراحية معقدة، وتكاليف بعض الأدوية، لذا هناك بعض الجهات غير الرسمية، من تجار ورجال أعمال، يقدمون بعض المساعدات عن طريق مندوبين لهم، والبعض ربط الأمر بالسفارة وبصورة دائمة، وهي بوادر طيبة تخفف كثيراً عن كاهل البعض، وتحديداً ما يتعلق بالسرطان والحُقن المكلفة التي يحتاج إليها المريض، والجلسات الكيماوية.

يقول مجيب الصوفي، جئت هنا من أجل علاج زوجتي، التي كانت تعاني من سرطان في الفم، وقد تطلب علاجها أكثر من ستين جلسة علاج بالكيماوي، تماثلت للشفاء، وحملت ولم أكن أتوقع أنها تخلف بعد كل ذلك الكيماوي. اليوم هي بحاجة لزراعة فك، والظروف صعبة للغاية، وقد حصلت على عمل هنا أحاول من خلاله مواجهة أعباء الحياة اليومية وتوفير أبسط المتطلبات لولدي الذي يبلغ من العمر سنتين، لأن العودة في هذه الظروف شبه مستحيلة.

تدهور الوضع وانعكاساته

كل ذلك جاء انعكاسا للحالة الصعبة التي تمر بها البلاد، بحيث تتدفق أعداد هائلة من المرضى وبشكل يومي على القاهرة، بسبب حالة اللا مسؤولية، وغياب تام لبعض الأدوية والمستلزمات الطبية، وتراجع كبير في تقديم الخدمات وخاصة في المستشفيات الحكومية، وتزايد عدم الثقة في ظل وجود مليشيا الحوثي التي تبدو غير آبهة بالوضع الصحي المتردي، وغياب تام للرقابة باستثناء أخذ الإتاوات والضرائب، والعبث بالكثير من الإيرادات خارج الإطار الرسمي.

يأتي هذا في ظل واقع مزرٍ يعيشه الموظف اليمني منذ ثلاث سنوات، من خلال تخبط رهيب لدى المليشيا، مرة تعدهم بصرف نصف راتب ومرة تصدر ريالاً إلكترونيا، وأخرى تقوم بصرف سندات ورقية بحيث يضاعف فيها التجار أسعار السلع فتكون أقرب إلى الفساد المنظم، وأخذ العمولات من قبل المشرفين، أضف إلى ذلك عدم استقرار الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، أهمها الدولار الأمريكي والريال السعودي.

أجراس العودة

اليوم ملايين اليمنيين في الداخل والخارج ينتظرون سماع أجراس العودة، عودة النازحين داخل المدن اليمنية، والنازحين خارج نطاق الجمهورية اليمنية، في شرق آسيا وأفريقيا والقاهرة والأردن والخليج وأوروبا وأمريكا.

الملايين بانتظار عودة الوطن المسلوب، والنظام الذي صادرته المليشيا، وعودة الخدمات الضرورية التي تهالكت وانعدمت مع بداية موجة الربيع العربي، وسقوط العاصمة صنعاء بيد المليشيا الحوثية، الذراع الإيرانية في اليمن.