قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (12)
المخا تهامة - Saturday 31 August 2019 الساعة 10:29 pmالاتجاهات العامة لاكتشاف القهوة
مكتشف القهوة الشيخ علي بن عمر الشاذلي (3)
لمتابعة الحلقات السابقة :
> قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (9)
> قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (10)
> قصة اكتشاف القهوة ومكتشفها في المخا باليمن (11)
أما الرحالة الأوروبيون وذكرهم لاكتشاف القهوة، فيُكتفى بما نقله كارستن نيبور، والذي كان مع أول رحلة أوروبية علمية استكشافية للجزيرة العربية سنة 1176هـ / 1762م، حيث ذكر أنه من: "المؤكد أن المخا من المدن الجديدة في تهامة وأن عمرها لا يتعدى 400 عام، ويقال إنه في ذاك الوقت كان يعيش في المنطقة رجل وحيد شهير يدعى الشيخ الشاذلي ويعتبر مؤسس المدينة، وقد اشتهر بزهده وتقواه، فأخذت الجموع تؤم المكان للاستماع لتعاليمه، ورووا لي قصة عنه تقول إن مركباً قادماً من الهند ومتجهاً إلى جده، رسا في الجوار، رأى البحارة كوخاً [عريشاً] منفرداً في هذه الصحراء، فدفعهم الفضول النزول إلى اليابسة واستقبل الشيخ زواره أحسن استقبال، وقدّم لهم القهوة، وهي شراب يحبه كثيراً ويعزو إليه منافع عديدة، واعتبر الهنود الذين لم يألفوا القهوة هذا الشراب الساخن علاجاً، وظنوا أنه سيساعد على شفاء التاجر صاحب مركبهم، وأكد لهم الشيخ الشاذلي أن هذا الشراب وصلاته لن يشفيا المريض فقط؛ بل سيؤمنان له ربحاً عظيماً إن أنزل بضائعه، وتنبأ في اليوم نفسه، أن مدينة تجارية ستبنى يوماً ما في هذا المكان، وأن الهنود سيقصدونها لبيع كثير من بضائعهم، وبدا هذا الكلام فريداً بالنسبة للتاجر الذي أراد أن ينقل في اليوم التالي إلى اليابسة كي يرى بنفسه هذا الرجل المميز ويتحدث معه، وفي اليوم نفسه زار الكثير من العرب هذا الزاهد لسماع أقواله، وكان التاجر قد شرب القهوة التي حضّرها له الشيخ وأحسّ بتحسن، ومن بين الوفود التي زارت الشيخ العديد من التجار الذين اشتروا حمولة المركب كلها، فعاد التاجر إلى الهند سعيداً، وذاع صيت الشيخ بين مواطنيه، وبُني قرب كوخ [عش - عريش] الشيخ العديد من الأكواخ الأخرى [العشاش] وازداد عدد التجار الذين يقصدون المكان عبر البر وعدد المراكب التي ترسو قربه فتكونت قرية ثم تحولت إلى مدينة المخا التجارية المعروفة"، (كارستن نيبور، رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وإلى بلاد أخرى مجاورة لها، ترجمة عبير المنذر، الانتشار العربي – بيروت، الطبعة الاولى، 2007م، جـ1، صـ 347.)
أكدت أغلب الكتابات -وخاصة المخطوطات العربية- التي رجع إليها الكاتب أن الشيخ علي بن عمر الشاذلي هو مكتشف القهوة، بل تعتبره بعض الكتابات مثل كتاب (المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن) للدكتور أحمد قايد الصايدي، أنه "لا يرجع إلى علي بن عمر الفضل في إنشاء المدينة فحسب، بل يرجع إليه الفضل أيضاً، وفي الوقت نفسه في نشر استعمال البن وتأسيس تجارته وإبراز قيمته داخل اليمن وخارجها الأمر الذي أدى إلى اعتباره حامي المقاهي"، فالشاذلي ولي المخا ومكتشفها بعد اندثارها وحامي حماها وكذلك مكتشف القهوة وحامي مقاهيها.
أورد كاتب غربي أن المكتشف للقهوة هو علي بن عمر الشاذلي صاحب المخا، لكنه يقع في خطأ تقدير التواريخ، فقال: روايتين لنشأة القهوة:
الرواية الأولى: "تقول أسطورة إن أحد الأولياء الدراويش ويدعى الحاج علي [بن] عمر هو الذي أعلن عن اكتشافه للناس في المخا في سنة 1285م [684هـ] ففي هذا العام كاد أن يهلك من مرض أصابه في البرية خارج المخا وجلس منهكاً تحت شجرة البن وجمع بعض البذور البرية من غابة قريبة منه وقام بتحميصه من غير قصد منه وبالصدفة أسقطت في ماء مغلي معدّ للشرب وهو لم يلاحظ ذلك وتعاطاها عندما فعل ذلك تعجب..! انظر.. فقد أدرك أنه اكتشف القهوة، لبس شاله وغطى رأسه ورجع إلى المخا، وأعلن اكتشافه، والمخاويون عرفوا قيمة هذا الاكتشاف جيداً، وينسبون هذا الإنجاز إلى هذا الولي الصالح والذي جعلوه ولياً لهم فوراً.
الرواية الثانية: تنسب هذا الاكتشاف إلى ولي آخر في تكية صوفية اكتشف لأول مرة كيفية استعمال القهوة واستخدامها، هذا الولي وجد صعوبة كبيرة في جعل أتباعه من الصوفية ومريده في حالة يقظة مستمرة وسهر خلال العبادة وقيام الليل، وظل في هذه المشكلة إلى أن أخبره أحد رعاة الماعز أن ماعزه تتناول بذور شجرة البن فتزداد نشاطاً ولها تأثير مثير، فقرر تجريب ذلك بنفسه عليهم فوجد النتائج باهرة وممتازة، وهكذا تم اكتشاف أقوى منشط ومنبه وهو القهوة والذي أصبح وعد: الطريق الأكثر شعبية عالمياً لمشروب واسع الامتداد" .
Coffee Extensive Information and Statistics. Pp. 6 -7 -
ذكر بطرس كيك في دراسته عن نشأة القهوة أن مرهج بن نمرون الماروني، في كتاب طبعه باللاتينية في روما العظمى سنة 1660م، ذهب إلى أن أول من اطّلع على خواص القهوة راهبان نصرانيان يدعوهما (Sciadli) و (Aidrus) يريد الشاذلي وحيدر" ثم قال كيك: "إلا أن هذا الكاتب قد وهم في قوله إنهما راهبان؛ لأن الشاذلي هو أبو الحسن علي الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية المتوفى سنة 656 للهجرة / 1258م، وحيدر هو شيخ الشيوخ حيدر الصوفي صاحب الطريقة الحيدرية الذي أشاع استعمال نبات القنب، أي الحشيشة بين الفقراء"، والحقيقة أن بطرس كيك وقع في أخطاء جسيمة أيضاً، فأبو الحسن علي الشاذلي هذا والمتوفى في 656 للهجرة / 1258م لم يكتشف القهوة ولكنه أبو الحسن علي بن عمر الشاذلي المتوفى سنة 828هـ / 1425م، أما (Aidrus) فترجمتها ليس بحيدر ولكن العيدروس أحد من قيل إنه اكتشف القهوة.
ذهبت دائرة المعارف الإسلامية السابق ذكرها أن القهوة تسمى في كثير من الدول والبلدان بالشاذلية أو الشاذلي ومنها الجزائر وشبه جزيرة سيناء وبلاد الشام واليمن وكثير من بلدان شبه الجزيرة العربية، وعلى سبيل الطرافة ففي النبك عاصمة جبل القلمون بدمشق، كما ذكر الكاتب الشامي يوسف موسى خنشت، في كتابه (طرائف الأمس غرائب اليوم أو صور من حياة النبك وجبل القلمون في أواسط القرن التاسع عشر) أنه "يصب من البكر –إبريق القهوة– قليلاً في الفنجان ويحركه حتى يتلوث داخله منها، ويصب ما فيه في الفنجان الثاني ويعمل به كما عمل بالأول، ويرمى ما فيه على الأرض، وهذه يسمونها حصة الشاذلي لاعتقادهم أن الشاذلي هو الذي ابتدع شرب القهوة أو أول من شربها، وأنهم إذا لم يرموا هذه من الفنجان إلى الأرض ينقلب الإبريق وتراق القهوة حتماً".
فاعتبر الشاذلي رمزاً للقهوة والتي لها طقوس معينة في شربها لا تتم إلا بها، ولها وضعيات وشعائر وترتبط بالأسطورة والكرامة والولاية، ولا مجال لذكرها هنا، ومنها ما قاله العطاس في (تاج الأعراس) عن ما "قال الحبيب عبدالله بن أبي بكر... كان الوالد، رضي الله عنه، إذا استيقظ من النوم في النصف الأخير من الليل وصلى وتوضأ ركعتين خفيفتين، ثم أخذ في طبخ قهوة البن بنفسه، وإذا صبها في الفناجين، أي قداح الشرب، رتب ثلاث فواتح:
الأولى، إلى روح النبي، صلى الله عليه وسلم، وسيدنا أحمد بن عيسى المهاجر إلى الله، وسيدنا الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي وأصولهم وفروعهم.
الثانية، إلى أرواح مشايخ القهوة الشيخ علي بن عمر الشاذلي، والشيخ أبو الحسن الشاذلي الأكبر، وعبدالهادي السودي.
والثالثة، بنية صلاح أمور المسلمين، قضاتهم وولاتهم، وخمود نيران الفتن ما ظهر منها وما بطن، وبنّية أن الله يرخي أسعارهم، ويغزر أمطارهم، ويرفع جميع البليات والأذيات من جهتنا خاصة ومن بلاد الإسلام عامة.. ويقرأ بعد الفاتحة الأخيرة آية الكرسي، ثم يأتي بمائة وستة عشر من اسمه تعالى يا قوي، وأربع مرات من سورة يسن، ثم يبتدئ في شرب القهوة".
وقد ذكر ذلك نيبور فقال: "ولا يعتبر الشاذلي شفيع [ولي] المخا وحسب، بل شفيع أصحاب المقاهي المسلمين من أتباع المذهب السني كلهم، ويقال إنهم يقرؤون الفاتحة كل صباح على روحه، ولا يعني ذلك أنهم يتضرعون إليه، إنما يشكرون الله لأنه علّم الإنسان استخدام القهوة عن طريق الشيخ الشاذلي، ويرجون منه أن يرحم الشيخ المذكور وآله".
(وهكذا انتهت قصتنا عن مكتشف القهوة بالمخا في اليمن)،
ولنبدأ قصتنا القادمة عن (قصة تجارة القهوة منذ اكتشافها بالمخا) عبر نيوزيمن، إن شاء الله..