إطلاق صالح قذيفة صوب الجيش الإيراني وتوعده من حسين.. حقيقة علاقة الزعيم بالحوثيين منذ انقلابهم حتى استشهاده

تقارير - Tuesday 03 December 2019 الساعة 08:58 pm
صنعاء، نيوزيمن، سهيل القادري:

ذات يوم قومي عروبي، اعتلى الرئيسان علي عبد الله صالح وصدام حسين دبابة عراقية، دشن منها صالح إحدى جبهات القتال بإطلاق قذيفة من الدبابة صوب الجيش الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي.

بعدها بنحو عشرين عاماً، في أوائل 2002 قال مؤسس المليشيا الحوثية حسين الحوثي في ملزمة له عنوانها "خطر دخول أمريكا اليمن" ضمن محاضرة، في فقرات خاصة بمساندة اليمن، القومية، للعراق خلال حربه مع إيران "الإمام الخميني كان إماماً عادلاً، كان إماماً تقياً.. والإمام العادل لا ترد دعوته، كما ورد في الحديث، من المتوقع أن الرئيس، وأن الجيش اليمني لا بد أن يناله عقوبة ما عمل".

هذه النبوءة تحولت إلى برنامج عمل انتقامي، حوثي إيراني، في الوقت نفسه، قادها حسين في 2004 ثم أتباعه بعدها، ومثلما مارست إيران عمليات ثأرية واسعة في العراق بحق رئيسها الشهيد وأنصاره والجيش العراقي، بتواطؤ أمريكي، عبر أذنابها هناك، قامت بأفعال مشابهة في اليمن من خلال ذنبها الحوثي، فاستهدفت الجيش اليمني في حل غير معلن وأهانت قياداته وضباطه، ثم توجهت بالعمليات الثأرية من الرئيس السابق، الزعيم علي عبدالله صالح ومؤيديه، ومن الشعب اليمني ذي الاتجاه القومي العربي، عموماً.

قال خليل الدليمي، محامي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في تصريح أوائل ديسمبر 2017، إن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح خامس زعيم عربي تقتله إيران.

وأوضح الدليمي أن علي عبدالله صالح قُتل بمؤامرة إيرانية، قائلاً: "هذا خامس زعيم عربي تقتله إيران بعد الحسين في كربلاء، والشهيد الزعيم خزعل الكعبي، والشهيد رفيق الحريري، والشهيد صدام حسين، ووسط هذا التخاذل العربي سيكون الحبل على الجرار".

قتْلُ الحوثيين علي عبدالله صالح لا علاقة له بتبدلات مزعومة في موقفه، كما يروجون، ولا لأن الحريق وصل فراشه كما يروج خصومه من الإخوان المسلمين في اليمن. المسألة مرتبطة بثقافة انتقامية تشكل أحد أعمدة الصفوية الفارسية وأذنابها، متماهية مع مصالح سياسية من المرجح أن الحوثيين كانوا أداة تنفيذ أكثر مما هم مصدر قرار.

أتاحت أزمة 2011 للحوثيين بسط نفوذهم الكامل على صعدة وسيطرتهم على سلاح عدة ألوية عسكرية هناك، وفتح لهم تأثير الأزمة السلبي في سلطات الدولة فرصة مضاعفة لإدخال كميات كبيرة من الأسلحة وورش التصنيع والخبرات والتقنيات القادمة من إيران، ما ساعدهم على تمدد لاحق واغتنام أسلحة جديدة من الجيش اليمني الذي كان خاضعاً، وقتها، لما سمي بإعادة هيكلة، أضعفته، وألجأت عشرات الآلاف من عناصره إلى التزام منازلهم، وصل التمدد الحوثي إلى صنعاء في سبتمبر 2014 وسيطر الحوثيون فعلياً على السلطة وتوسعوا خلال شهور قليلة إلى معظم محافظات اليمن.

إزاء هذا المشهد السياسي الجديد والمباغت وجد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وأنصاره أمام معادلة سياسية تختفي فيها السلطة الشرعية، وتتصدرها جماعة همجية لا توجه ضرباتها فقط على مفاصل السلطة بل إلى كيان الدولة ذاتها ومؤسساتها.

كمواطن عاش سنوات التخلف والحرمان العام في طفولته وبدايات شبابه، إبان عهد الإمامة، وكسياسي ساهم على مدى عقود في بناء الدولة اليمنية الحديثة، مدركاً لأهمية الإنجازات والأشواط التي قطعها بلده، وبعد تخلي السلطة الشرعية عن واجباتها على الأرض، حاول صالح أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من صروح البناء الجمهوري للدولة ومؤسساتها، فعمل على جر الحوثيين إلى دائرة الدستور والقوانين كاستراتيجية للحفاظ على بقايا دولة تركها الجميع، واقتنص من الجماعة الحوثية في اتفاق صنعاء السياسي 2016 الاعتراف بالدستور والقانون كناظم لسياسة الدولة وإدارتها، لكنه ظل في أكثر من مناسبة يصرح علناً بأن الحوثيين ليسوا أزيد من "سلطة أمر واقع".

تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015، وبعد أسابيع قليلة صدر قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن تحت الفصل السابع، وبذلك أضيف للمشهد السياسي معطيات جديدة، لم تمنع صالح، مع التعقد الشديد في المعادلة الداخلية، من الحرص على قيم الدولة ومفاهيمها، فدعا منذ الأيام الأولى للتدخل إلى وقف القتال والدخول في تحاور مباشر مع السعودية يتولاها عن الجانب اليمني مجلس النواب، كمؤسسة دستورية تحظى بالمشروعية الشعبية والتمثيلية لليمنيين، وهو موقف يعني في وجه منه حالة من تأكيد عدم الاعتراف السياسي بشرعية الحوثي، ورفضه اللجنة الثورية الحوثية التي حلت البرلمان، وحاولت تشكيل مجلس بديل أعاقه صالح.

المفردات الأساسية لتوجهه السياسي استمرت حتى كلمته الأخيرة قبل استشهاده بساعات.

لم تكن العلاقة ودية بين المؤتمر الشعبي العام ورئيسه صالح مع الحوثيين، وكانت لحظة الصدام بين الوطن والجمهورية بزعامته، والطائفية والولاية بقيادة عبدالملك الحوثي، منتظرة لدى القاعدة التنظيمية والجماهيرية للطرفين.

بقي تأكيد صالح على أن الحوثيين ليسوا أكثر من سلطة أمر واقع، وأن البرلمان هو الممثل الشرعي والدستوري للشعب اليمني، إلى جانب محاولته وحزبه الحفاظ على ما أمكن من مؤسسات الدولة ومنجزات الجمهورية، بنود خلافات بينه وبين الحوثي، تصاعدت قبل شهور من إقامة المؤتمر الشعبي احتفائية بالذكرى 35 لتأسيسه في 24 أغسطس 2017، ما أخرج عمق الخلاف وسعته إلى العلن عبر وسائل إعلام الجانبين.

ووصف صالح اللجان الشعبية، الذراع العسكري والأمني للحوثيين، بالمليشيا.. فيما أصدرت الأخيرة بياناً نشرته وكالة الأخبار الرسمية، ثم أزالته بعد دقائق، تضمن إبداءً لنية الحوثيين تصفية صالح، وقتها لم يكن قد مس الرئيس الراحل أي أضرار في شخصه أو أقربائه أو منازله أو ممتلكاته، كما يوحي إعلام الإخوان، وكان بمقدوره المغادرة إلى أي دولة والنجاة بجلده كما فعل غيره، إلا أنه ظل محافظاً على وعده المعلن، مراراً، بأنه لن يترك بلده وسيموت على أرضها.

فضل صالح مقارعة الحوثيين من الداخل بعد تكشف استحالة اندماجهم مع تقاليد الدولة ومنطلقاتها الدستورية والقانونية، وتصاعد الصراع من مجرد تراشقات إعلامية، واعتداءات على بعض وزراء المؤتمر في حكومة صنعاء، وإقصاءات طالت كوادره في الوظيفة العامة، إلى ملاحقات أمنية لكوادر تنتمي للحزب، خصوصاً مع قيادة المؤتمر حملة ضد مساعي الحوثيين إلى تغيير المناهج الدراسية، ومطالباتها بصرف مرتبات الموظفين التي أوقفها الحوثيون قبيل تشكيل المجلس السياسي في صنعاء أواخر يوليو 2016، كجزء، كذلك، من استراتيجية صالح لسد فراغ في السلطة تركته قوى ما بعد 2011 وبذات الوقت محاولة إخراج الجماعة الحوثية من همجيتها وسحبها إلى مسالك رجال الدولة، وبالمقابل رفض الحوثيون إنشاء نجل شقيق زعيم المؤتمر، طارق محمد عبدالله صالح "معسكر الملصي" التدريبي في الضاحية الجنوبية الشرقية لصنعاء، وفهموا الخطوة على أنها إعادة ترتيب صالح ورقته العسكرية في العاصمة.

احتشد مئات الآلاف من اليمنيين في ميدان السبعين بصنعاء لإحياء ذكرى تأسيس المؤتمر، رغم إعاقة المليشيا الحوثية الوفود الشعبية من مختلف مناطق اليمن، على مداخل صنعاء، فكان نجاح الفعالية برهاناً ساطعاً أكد أن صالح ما زال الرجل الأقوى بين اليمنيين، ليدخل الجانبان في منعطف جديد من الصراع بدأ باستعراض عسكري حوثي في السبعين بعد سويعات من مغادرة أنصار صالح، وعلى إثره بيومين اعتدت نقطة أمنية حوثية في جولة المصباحي جنوب صنعاء على سيارة تقل صلاح، نجل صالح.

عاود الحوثيون مساعيهم في نقل الصراع إلى المستوى العسكري في اقتحام عناصرهم جامع الصالح بحجة تأمين فعالية الاحتفال بالمولد النبوي، مع التنبيه إلى أن فعالياتهم كانت تقام في ساحات أخرى بصنعاء، وحتى تلك التي نظمها الحوثيون في السبعين الذي يطل عليه الجامع كانت تتم بوجود حراساته التابعة لصالح دون أن تندلع أي مشكلات خلافاً لاشتباكات دارت لدى اقتحامه في 29 نوفمبر 2017، ليتطور المشهد إلى الاعتداءات الحوثية على منازل أقرباء صالح وتوسعها حتى شملت منزله، فإعلانه انتفاضة 2 ديسمبر التي توقفت عسكرياً باستشهاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر، ثم عاودت الظهور في قيادة نجل شقيقه طارق صالح المقاومة الوطنية في الساحل الغربي.

مشاهد بدأت مع إطلاق صالح مع صدام حسين أول قذيفة دبابة صوب مواقع للجيش الإيراني في إحدى الجبهات، في الثمانينيات، وشرعت داخلياً مع توعد المقبور حسين الحوثي، صالح والجيش اليمني في أوائل الألفية بدفع الثمن على خلفية الموقف القومي لليمن ضد الأطماع الصفوية الفارسية، وما كان قتله في منزله بصنعاء إلا تتويجاً لنوايا وبرنامج عمل إيراني لتصفية القيادات القومية العربية، وحوثي لتصفية المشروع الجمهوري.