المرأة التي رافق الفقر حياتها منذ أن كانت طفلة بريف المخا

المخا تهامة - Wednesday 11 December 2019 الساعة 09:48 am
المخا، نيوزيمن، فيصل حسان:

في مبنى متهالك مهدد بالسقوط في المدينة القديمة بالمخا، كانت هبة صالح سالم تحاول جاهدة تغطية باب إحدى الغرف بقطع من القماش الممزق اتقاء الأتربة التي تجلبها الرياح عندما اكتشفنا أمر وجودها في ذلك المكان.

 لم تكن سوى صدفة عابرة من تلك الصدف التي نلتقيها في المخا، حيث يتيح لنا التجول في شوارعها وحواريها الوسيعة اكتشاف ما يمكننا الكتابة عنه.

 توقفت عما تقوم به وبدأت الحديث معي، لعلي باعتقادها ناشطا في منظمة إنسانية، بدت وكأنها في السبعين، رغم أنها في الأربعينات من العمر كما هو مدون على بطاقتها الانتخابية.

 كانت كئيبة وعلامات الضيق مما تعيشه بادية على محياها، كما كانت هزيلة إلى حد أن قدميها لا تقويان على مد خطواتها.

 قبل عامين فرت هبة من قريتها المسمى "المشقر" في ريف المخا نتيجة حرب مليشيا الحوثي تاركتة منزلها المبني من القش، وذكريات عمرها المليئة بالحزن والألم للبحث عن فرصة أخرى للحياة.

 وبعد رحلة مجهدة، استقر بها الحال في منزل مهجور في حي العمودي بالمخا، واستمرت طيلة عامين من صراعها مع أجواء الطقس المتقلبة وظروف الحياة التعيسة في ذلك المنزل حتى أبلغها مالكه برغبته في إعادة بنائه، مستفيدا من حالة الزخم التي تشهدها المخا بالجانب العقاري وارتفاع إيجارات الشقق السكنية.

 لم تجد تلك المرأة وأبناؤها الثلاثة وابنة شقيقتها التي تشاركها رحلة المتاعب سوى الانصياع للأمر، وبعد أيام من البحث عثرت على غرفة في الدور الأرضي لمبنى النيابة القديمة في المخا.

 كانت الغرفة التي يتدلى من سطحها أنبوب للمجاري، هدية لا تقدر بثمن بنظرها، فعلى الأقل ستؤمن جدرانها الأربعة قليلا من الأمان الذي تفتقده، رغم المخاطر التي تحيط بها والمتمثلة بانهيار المبنى في أي لحظة أو انفجار أنبوب الصرف الصحي في أسوأ حالاتها.

 ما كان واضحا هو أن الفقر ضرب جذوره عميقا في حياة تلك الأسرة، حيث خلت غرفتها المحطمة نوافذها والمتهالك سطحها، من الفرش والأغطية التي تحتاج إليها في مثل هذه الأيام الباردة.

 قالت لنيوزيمن "لا نملك شيئا، وكل ما أستطيع عمله هو أنني أزيح التراب من على باحة الغرفة وأنام، عشنا حياة الفقر منذ الطفولة، وأتمنى في كل ليلة أن يقبض الله روحي للخلاص من هذا العذاب، لكنه لم يفعل".

 هي إذا إخلاصة حياة مليئة بالعذاب والحرمان لازمتها منذ أن كانت طفلة واستمرت بعد زواجها وإنجابها للأولاد وبعد وفاة زوجها قبل عشر سنوات.

 حالة هبة وابنتها وابنيها والشابة التي ترافقهم رحلة البؤس هي نموذج للمأساة، كما هي صورة حية عن حالة العوز والحرمان التي باتت تلازم حياة ملايين الأسر اليمنية بعد أن تركت حرب مليشيات الحوثي آثارها الكارثية على البلد ككل، غير أن الفقراء كانوا أكثر الفئات تضررا، إذ صحوا على حقيقة مرة، هي أنهم بلا غذاء ولا دواء، وأن حياتهم باتت مهددة بالموت في أية لحظة.