هجمات «الوجع الكبير».. الحوثي يُهدِّد فهل تنفذ إيران؟

تقارير - Tuesday 31 December 2019 الساعة 09:36 pm
عدن، نيوزيمن، سياف الغرباني:

شكّلت طريقة إطلاق جماعة الحوثيين تهديدات "هجمات الوجع الكبير" باتجاه السعودية والإمارات فصلًا جديدًا من الحرب الكلامية، إذ حرص المتحدث العسكري "يحيى سريع"، على تحديد عدد الأهداف المرتقبة في كلا الدولتين، وتوصيفها في نطاق "بالغة الأهمية".

ولإن كان لدى جماعة الحوثيين، في اليمن، أسبابها الخاصة التي قد تدفعها إلى القيام بشن اعتداءات مسلحة على السعودية أو الإمارات، فإن يدها قصيرة ولا تسعفها بالوصول إلى أي مكان تريده في الوقت الذي تحدده، كما أن مغامرتها العسكرية خارج الحدود، تظل محكومة بحسابات الراعي الإقليمي (إيران).

ثمة مسألة تستحق الكثير من التدقيق، تتعلق بقدرات الحركة العسكرية حالياً، وما إن كان زعيم الحركة عبدالملك الحوثي يضع يده على منظومة أسلحة قادرة على ضرب أهداف حيوية في عمق السعودية أو الإمارات، قياساً بطبيعة التهديد الأخير الذي أطلقه لسانه العسكري.

من وقت مبكر، شكلت الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، التي استولى عليها الحوثيون، من مستودعات الجيش اليمني، عقب سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر/أيلول من العام 2014م الجزء الأكبر من منظومتهم الصاروخية، فيما النسبة الأدنى لصواريخ إيرانية دخلت اليمن عن طريق التهريب.

مع الإشارة إلى أن الجماعة استخدمت صواريخ (سكود) التي استحوذت عليها ضمن ترسانة أسلحة وزارة الدفاع، في غالبية الهجمات المؤثرة، التي شنتها على مطارات ومنشآت سعودية حيوية في العامين الأولين للحرب.

في الأثناء تفيد العديد من المصادر العسكرية بأن رصيد الحوثي من هذه الصواريخ، التي كانت تعد الأهم في المنظومة الصاروخية للجيش اليمني، محدود.. فيما يرجح البعض فرضية نفادها، خاصة مع الاعتماد الملحوظ مؤخراً على الطائرات الملغومة.

وبالرغم من أن الحوثيين قد استخدموا (الدرونز) للهجوم على السعودية، فقد اعتمدوا على طائرات رخيصة الثمن، وصغيرة، وبطيئة وتفتقد إلى المدى كي تصل إلى المنشآت النفطية السعودية انطلاقاً من شمال اليمن، بنفس دقة وتنسيق الهجمات الأخيرة على منشآت "أرمكوا".

مهمة أكبر من قدرات الحوثي العسكرية

يبدو أن المتحدث بالغ كثيراً، حين توعد بهجمات على مواقع بالغة الأهمية في السعودية والإمارات، إذ إن الحوثيين ليس لديهم بالفعل القدرة العسكرية الكافية التي تمكنهم من تنفيذ عمليات بهذا المدى، وإلا ما كانوا انتظروا لحظة.

المؤكد والثابت، في اليمن، هو أن الإمارات استطاعت تسديد ضربات عسكرية مميتة إلى صدر جماعة الحوثيين، ضمن مهام قواتها في التحالف العربي بقيادة السعودية، وهي ضربات فاقمت خسائر المتمردين، وأفقدتهم ميزة السيطرة على مناطق فائقة الأهمية.

وقد كان من شأن الانتكاسات التي ألحقتها الإمارات بمعسكر الحوثيين، إما بصورة مباشرة عبر قواتها العسكرية المنخرطة في عمليات التحالف باليمن، أو بواسطة القوات المحلية المدعومة منها، أن ترفع منسوب النقمة، في خطابات زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، تجاه أبوظبي، إلى مستويات عليا.

وعند هذه النقطة تحديداً، أعاد الحوثيون ترتيب الخصوم، المحليين والإقليميين، تبعاً لفاعلية كل جهة في الحرب ضد الجماعة الموالية لإيران، بحيث أصبحت الإمارات تحتل مركزاً متقدماً في قائمة (الأعداء)، يتفوق ربما على مركز السعودية التي يدمغها الحوثي بـ"قرن الشيطان".

وما كان الحوثي سيتردد لحظة، في الثأر للخسائر التي اشتركت في صناعتها القوات المسلحة الإماراتية، سواءً في مناطق جنوب اليمن أو على طول الشريط الساحلي الغربي، بيد أن جماعته تفتقد للقدرات العسكرية اللازمة لشن هجمات مباشرة على أراضي الإمارات، وبالتالي لجأ الحوثيون لتحريك الماكينة الإعلامية للاشتغال على شيطنة دور ووجود الإمارات في اليمن، كخيار متاح للتعويض عن العجز العسكري.

تبييض حوثي لصفحة إيران

في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، تعرضت أهم المنشآت النفطية السعودية في بقيق وخريص لهجمات مدمرة، وحتى الآن لا يزال أمر تبني الحوثيين للعملية أمراً مثيراً للدهشة، إذ إن كل التقارير حينها استبعدت قدرة الحوثي على تنفيذ الهجمة لعوامل المسافة والقدرات التقنية.

وعزز تقرير جديد أعدته الإدارة الأميركية فرضية ضلوع النظام الإيراني في الهجوم، حيث تشير الأدلة الجديدة إلى أن الهجوم جاء من الشمال وهو يفند الروايات التي تتكئ عليها طهران، ومن أهمها تبني الحوثيين للعملية.

وتحسم تفاصيل التقرير الأميركي الحديث أمر الجهة التي دبرت وخططت للاعتداء، حيث لم يعد بإمكان إيران نفي ما تُتهم به، خاصة أن كل المعطيات تؤكد أن الاعتداء جاء من الشمال وليس من الجنوب.

واللافت أن الحوثيين يصرون على تبني مسؤولية الهجوم، ونفي علاقة طهران، إذ إن المتحدث العسكري للجماعة، لم يفوت التذكير بهجمات "أرامكو" حين خرج أخيراً يهدد بهجمات "الوجع الكبير".

ولا يخرج هذا التكتيك عن إطار محاولات الجماعة تضخيم أدائها العسكري، الذي يصب في صالح دعايتها الإعلامية على اعتبار أنها أصبحت قوة قادرة على الوصول إلى مسافات بعيدة.

ويعكس تمسك الحوثيين، بادعاء المسؤولية مؤشراً إلى أن الإيرانيين يريدون بتكثيف هذه الدعاية التشويش على الرأي العام الدولي، وإبعاد الأنظار عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء تلك الهجمات، وهجمات أخرى سابقة تبناها الحوثيون، دون أن يكون هناك دليل قوي على هذا التبني.

هل تنفذ إيران تهديدات الحوثي؟

دارت الكثير من الشكوك حول دوافع التهديد الأخير بهجمات كبيرة ضد السعودية والإمارات، إذ إن الحوثي توعد الدولتين كان قد أعلن في وقت سابق تعليق الهجمات على السعودية، كما أنه يخوض مع الرياض، مباحثات شاقة منذ أشهر.

وخرجت الكثير من التخمينات حول الأسباب الحقيقية للتهديد، لكن ثمة من رجح أن الأمر مجرد مناورة مدفوعة بحاجة ملحة لتحسين موقع ممثلي الجماعة على طاولة المفاوضات الجانبية مع السعودية.

في المقابل، تبرز احتمالية أن يكون وكلاء إيران في اليمن، قد تعمدوا إخلاء مسؤوليتها وتبييض صفحة الحرس الثوري الايراني "مسبقاً" من هجمات ربما تنطلق من مكان آخر، حتى لا تقع طهران مجدداً في مأزق مماثل لـ"أرامكوا" السعودية.

ويعزز هذه الفرضية أن التهديدات جاءت في غمرة تحذيرات يطلقها مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم قائد القيادة المركزية، الجنرال كينيث ماكينزي، من هجوم إيراني جديد في الشرق الأوسط، على غرار الهجوم الذي استهدف شركة أرامكو السعودية.