قصة تجارة القهوة منذ اكتشافها بالمخا

المخا تهامة - Thursday 23 January 2020 الساعة 07:35 am
المخا، نيوزيمن، د. عبدالودود مقشر:

نبدأ قصة أخرى من قصص المخا التي لن تكتمل وهي تجارة القهوة بها، فإذا عرفنا أن المخا ارتبطت بالقهوة ارتباطاً وثيقاً لا انفصام له، فالمكتشف للقهوة في العالم هو أحد أوليائها وحراسها وحاميها وأقطابها وهو الشيخ علي بن عمر القرشي الشاذلي –كما ذكرنا ذلك سابقاً-، بل هو مكتشف المخا الثاني بعدما اندثرت، وترتبط بذلك أساطير حول سبب اختياره للمخا دون سواها للعيش فيها وبعضهم أوصلها برؤية نبوية، وقبل الولوج إلى تجارة القهوة بالمخا نتحدث عن أماكن زراعتها بعدما نقل الشيخ الشاذلي شجرة البن من الحبشة (إثيوبيا).

زراعة شجرة البن بمحيط المخا

انتشرت زراعة البن بشكل متسارع خلال القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي بعد اكتشاف القهوة مباشرة بالمخا في اليمن، ويلاحظ محاولات استزراع البن في بداية أمره في تهامة وخاصة بزبيد وفشل ذلك لأسباب مناخية وبيئية خالصة، وفي ذلك يقول حمزة بن عبدالله بن محمد الناشري (833 - 926هـ / 1430 – 1520م) في قصيدته المسماة (جلب الزبون إلى أكل البون) وهي قصيدة طويلة موجودة في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء (المكتبة الشرقية) برقم 12 مجاميع، وهي ناقصة فمجموع أبياتها خمسون بيتاً ومطلعها:

أصرح بسم الله في البدء أولاً مع الحمد لله الذي وحده علا

واعتمد الكاتب أيضاً على نسخة خطية أخرى بحوزته عدد أبياتها مائة وتسعة وستون بيتاً وذكر فيها أكثر من سبعين خاصية للبن ومطلعها:

اصرح باسم الله في النظم أولاً مع الحمدلله الذي خلق الملا

وقسم منظومته إلى قسمين: القسم الأول، عدد فيه خواص البن ومنافعه. والقسم الثاني، ذكر معرفة أحكام البن الفقهية من حيث طهارته، وصحة بيعه، وقبض سلمه، وبيع قشره، ونفي الزكاة عنه، وذكر استخراج القهوة منه ووقف على الخلاف محلل ومحرم لشربه، وأورد تجربة زراعته في اليمن وخاصة في الجبال المطلة على تهامة فقال:

نعم أنبتوا في ثغور فافلحوا

وجاء كبن الحبش بل كان أفضلا

ومنبته في بر زيلع داخل

إلى بلد الاحبوش يزرع في الفلا

كذا استنبتوه في زبيد فأنبت

الغصون ولكن ثمار تعطلا

لأن زبيد بر التقى ثم حرّها

شديد ولا ينمو الذي مستطيلا

ومن ثمّ تمّ استزراعه فيما يسمى في العصور الوسطى بـ(اليمن الأسفل)، وهي تلك المناطق كانت خاضعة للدولة الرسولية (626 – 858 هـ) والدولة الطاهرية (858 – 923هـ) ثم دولة المماليك الجراكسة (923 – 944 هـ) والدولة العثمانية 944 – 1045هـ، ووردت بعض منها مثل العدين بإب ووصابين (العالي والسافل) وكانتا تتبعان زبيد وجبل صبر بتعز وبعض المناطق في الجنوب اليمني.

وذكر المرتضى الزبيدي في مخطوطته (تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن) ما يلي: "وأصل منشئها -أي شجرة البن- من قديم الزمان في ثنية وذوان بمخلاف ريمة".

وذكر الجغرافي العثماني أوليا جلبي (جهاننما) أي صورة الأرض وهو من أوائل الكتب التي طبعت بدار الطباعة العامرة في القسطنطنية سنة 1145هـ/1732م ما يلي في: "شجرة القهوة تنبت باليمن في كورتين، منها فوق الجبال التي تطول زبيد في مقابلة بيت الفقيه في الخط المعروف بوصاب، والخط المعروف بنهارى، وهما قريبان حتى جيزان".